في يوم ذكرى استشهاد رئيسنا وصفي التل, وفي العام الأربعين على رحيله, تزاحمت في ذاكرتي وحضرت, مسيرة حياة وصفي, بدءاً من ولادته وحتى استشهاده, نشأته, شبابه, فكره السياسي والاجتماعي والثقافي, وصفي رجل الدولة والحكم, وصفي الأردني والعربي والدولي, شجاعته, نزاهته, استقامته, مواقفه وأرائه وأفكاره اتجاه القضايا العربية وقضية فلسطين, وبالمجمل كل وصفي حضر, قبل رحيله وبعد رحيله, وصفي الطفل والطالب والجندي والفلاح والكاتب والسياسي, وصفي القول والفعل والعمل.. ووصفي الشهيد, الذي عرف وأحاط بكل الحقائق من حوله, وأدرك واستشعر ووقف على كل المخاطر التي تنتظر الأمة وأخذ على نفسه عهداً أن يقف بحزم وقوة وشجاعة في طريق كل الخائنين, الفاسدين والمفسدين, الذين يدفعون بالأمة إلى الهاوية والجحيم, وكانوا سبباً في هزيمتها وفي تردي أوضاعها وخذلانها وذل شعوبها.. فسار وصفي على هذا النهج وعلى هذا الدرب, ثابتاً شامخاً شجاعاً مقداماً لا يخشى أحد ولا يهاب إلا الله فيما اقتنع وآمن به, فكانت نتيجة إخلاصه لوطنه وأمته وقضاياها ونتيجة ما عرف من حقائق ووقف من مواقف مشرفة في سبيل ولأجل تحرير الإنسان العربي ورفعة شأنه, أن قتل ظلماً وجوراً وبهتاناً..
نعم.. وصفي قتل ظلماً, لأنه بفكره الإستراتيجي والسياسي شكل خطراً على أولئك الذين تاجروا بالأمة وقضاياها, فتصدى لهم بما عرف عنه من شجاعة ونزاهة واستقامة.
نعم.. وصفي قتل ظلماً, لأنه أول من وضع خطة إستراتيجية مدروسة ومتوازنة لتحرير فلسطين, وإنقاذ فلسطين, تلك هي الخطة التي عرضها على مجلس وزراء الدفاع العرب المنعقد في القاهرة, وقبل استشهاده بساعة واحدة, وطالب وألح باعتمادها وإقرارها ورصد المال اللازم لتنفيذها.
نعم.. وصفي قتل ظلماً, لأنه في هذه الخطة أول من دعا إلى انتفاضة الحجر والعصا والسكين داخل فلسطين, وأول من دعا إلى تثوير الأرض الفلسطينية من الداخل وزلزلتها تحت أقدام الصهاينة الغزاة.
نعم.. وصفي قتل ظلماً, لأنه آمن واقتنع حتى أخر لحظة من حياته, أن العرب أهملوا وقصروا وتخاذلوا وتقاعسوا في دعم أهل فلسطين وشعب فلسطين عام: (1948), بالمال والسلاح وتدريب الشباب, لأنهم لو فعلوا ذلك وأخلصوا النية, لما ضاعت فلسطين, كيف لا وهو وقتها شارك وقاتل على أسوار القدس وباب الواد في جيش الإنقاذ لتحرير فلسطين, وشاهد وعرف وسجل كل السلبيات التي رافقت تلك الحرب وكانت سبباً في هزيمة العرب كل العرب وكانت أولى الخطوات على طريق ضياع فلسطين كل فلسطين, وتشريد أهلها.
نعم.. وصفي قتل ظلماً, لأنه خرج من تلك الحرب على قناعة تامة ومدروسة أن أهم جبهة في الصراع العربي الإسرائيلي, هي الجبهة الداخلية, وكان يسميها بالجبهة الخامسة, فكانت صرخته مدوية عام: (1967), إلى العرب كل العرب بضرورة تسليح شعب فلسطين على أرض فلسطين, وكان يرى أنه بخلاف ذلك, سنخسر فلسطين والقدس والأقصى.. وهاهي الأيام وبعد أربعين عاماً على رحيل وصفي تثبت لنا كم كان وصفي صائباً في رأيه ومحقاً في مواقفه.
نعم.. وألف نعم.. في يوم ذكرى استشهاد وصفي, وفي العام الأربعين على اغتياله, أقول: لدعاة السلام, ودعاة المفاوضات.. عودوا إلى فكر وصفي واقرؤوه جيداً, ستجدون إن لا سبيل لانتزاع تنازلات من الصهاينة الغاصبين, وعودة القدس وفلسطين إلا بالعودة إلى الانتفاضة, وتثوير الأرض من الداخل, نعم, وصفي التل عرف \"الصح\", وعرف الحقيقة, وعرف الطريق المؤدية إلى تحرير فلسطين وعودتها, فسار عليها, فقتل ظلماً.
Email: moeenalmarashdeh@yahoo.com