علم الاجتماع إمام العلوم ومنهُ كانت السياسية بفروعها و الإدارة بمدارسها ، وطبقاً لمفاهيم علم الاجتماع فان العقل العربي يعيش أزمة الانقسام و التخاصم مع الذات مجتمعياً و فردياً.
تم بناء ثقافته على مجموعة من المفاهيم التي أصبحت ثوابت لا تقبل النقاش ومحاولة إعادة تقيمها بالنقد يعد اقتحاماً لحرمة مقدسة.
وقد توقفت مفاهيم المجتمع عن التطور بسبب غربة الحكم في التمكين العام.
وتحت أسم الدين وتحت بند الولاية و الطاعة و البيعة تم البلاء على عموم الأمة بأنظمة حكم من خارج مجتمعهم ثقافياً وسلوكياً، فكانت النتيجة التلاعب بالفقه و التغير بالشريعة بما يخدم استمرار الأنظمة غير العربية مع بناء مدرسة فقهية تقوم على البيعة الخالصة للحاكم ، مع تصوف وصل حد الدروشة.
فنتج عنه تعظيم عادات على حساب المفهوم الحقيقي للشرع، فالإنسان العربي هرب نحو التصوف ضمن فكرة \"الحلال و الحرام\" بالمأكل و القيام بالعبادات مع ممارسة كل أنواع المفاسد من خداع صغر شأنها أو علا.
فالمجتمع العربي فاسد مطلق ومتصوف مطلق،يؤدي العبادات غير الناهية عن المنكر، ويرى برجل الدين صاحب السلطة و المشرع المنقذ و الموجه من قبل سلطة الحكم ،فأنتج ديناً يحلل ويحرم حسب مقتضيات المرحلة و حاجات الحكم.
و وصل الأمر عند سلطة رجال الدين باعتبار ارتفاع أسعار السلع عموماً من الأمور المقدرة مثلاً.
وفي كل حدث جلل يصيب الأمة يأتي رجال الدين بأحاديث تحذر و تكشف وتتوعد فتتحول الهمة بالتغيير و التحرير إلى همة انتظار الفرج المقدر.
ومن هنا أنتج المجتمع نتيجة هذا الاعتقاد سلطات حكم تسخر منه وتمرر بالكذب و التدليس قراراتها.
وكان للسلطة التي صنعت المكانة لرجل الدين سهمٌ عند المثقفين فتم إنتاج سلطة المثقفين فتحكمت بشريان بناء المجتمع و تجدده ، فصار نمط التفكير الواحد مشابه لواقع الإيمان بقيادة الفرد الرمز، وبكل بلاء يستحضر أبطال التاريخ ويتم إسقاطهم على الواقع مما أنتج كوميديا سوداء مؤلمة يعبر عن حجم الضياع و الجمود.
وأيضاً نتجت ثقافة التسلط داخل المجتمع ،الرجل يبذل كل ما بوسعه لإثبات سلطته الذكورية وكذالك يفعل شيخ القبيلة و الحاكم.
جمود التجدد الذي خلف تأخر باللحاق بركب التقدم والتطور ،صار لزاماً على المجتمع التخلص من المفاهيم المسببة في علله و أمراضه.
و قد انقسم المجتمع نتيجة هذه المفاهيم إلى مجاميع بشرية، والشريحة الأوسع هي الراضين بالعبودية الباحثين عن الاستقرار،وهو ما تروجه الأنظمة الحاكمة بأنها وفرت الأمن و الأمان على حساب الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.
وشريحة الناقمين الساعين للتغير وهم في خصومة مع النظام أوصلتهم إلى مرحلة اعتبار الوطن بانجازاته من مرافق عامة و خلافه جزء من الصراع، فالتخريب جزء من البطولة التي تحقق الهدف لإسقاط نظام الحكم.
و الشريحة الثالثة و التي اختارت الهجرة نحو الحياة الأبدية من خلال تكفير المجتمع و السعي لاستنساخ تجربة \"نيرون\" الذي أحرق روما ليعيد بنائها ، فتم تسخير الدين ضمن فهمهم المغلق ليخدم قناعاتهم.
المجتمع العربي في حال من الفوضى و الانقسام على الذات مما سمح للجميع بتمرير وتنفيذ مخططه و مشروعه كما أراد.
و لا يزال رجال الدين يوعدون الجمع بالصبر على الابتلاء وانتظار الرايات السوداء أو الواقعة الكبرى ، ليسود الأمن و الرخاء و النعيم ، بعد عقود البلاء.
ما نحن بحاجته هو الخروج من قمقم الاتكالية على الغيبيات ، ما نحتاجه مراجعة لكتب التراث و الاحتكام لعقل الواقع و تشخيص مؤسسة الحكم القائمة على أنها أصل الشرور وفهم أن الإنسان الحر المتصالح مع ذاته هو فقط من يستطيع البناء.
بدون الليبرالية الوطنية الرافضة للرمزية و القائد الأوحد و الضرورة.
الليبرالية الوطنية التي تحث على ضرورة اعتبار أفراد المجتمع متساوي الفرص بعدالة اجتماعية تسمح للرأي الحر بعقل الواقع أن يسود و يقود المجتمع.
عندما يتحرر المجتمع من سلطة رجل الدين و نفاق المثقف فالنتيجة الحتمية سقوط سلطة الحكم الفاسدة و ينهزم المحتل.