أحد أبسط قواعد الفيزياء التي نتعلمها في صغرنا هي قاعدة ( لكلّ فعلٍ ردّ فعل ) ، وحتى لا تظنوا أنني سأحدثكم عن نيوتن وآينشتاين أقول : إن هذا المبدأ البسيط ينطبق على حياتنا بشكلٍ كبير ، فنحن نمارسه بكثافةٍ فيما بيننا.
فأولادنا نواجههم بكثير من الأوامر والنصائح وردة الفعل تكون مزيداً من الرفض والعناد والتمرّد . فيما لو أخذناهم باللين وأشعرناهم دوماً وخلال الأيام العادية في علاقتنا اليومية بهم أنهم أغلى ما نملك وأننا أكثر من يحبهم ويخاف عليهم ، دون أن نقول هذا الشيء كمبرر لإسداء النصيحة لهم أو إلقاء الأوامر عليهم في موقف معين ، فينشؤوا وقد أدركوا حبنا لهم دون أن نضطر لتذكيرهم به ، فيطلبوا هم رأينا ونصيحتنا ولا يعتبرون هذا فرضاً عليهم.
وشركاء حياتنا ، رفاق دربنا ، نواجههم بكثير من الاتهامات بالتقصير والتسرع وعدم الشعور بنا وبهمومنا ، وننسى أننا أيضاً نمارس في حقهم ذات التقصير والتسرع في الأحكام وعدم الإحساس بهم ، فيلوموننا بدورهم ، فتتسع الهوّة بيننا ولا نشعر إلا والجفاء الروحي والخواء العاطفي يملآن حياتنا.
وعلاقتنا كآباء بأبنائنا واختلافنا الواضح في طرق تربيتهم وعدم الاتفاق عليها كمنهج نتشارك فيه الأدوار ولا يلقي أحدنا بكامل العبء فيه على الآخر ، فالأبناء في النهاية نقطة مشتركة بين كلا الوالدين . والطفل منذ نعومة أظفاره يتعلم مراقبتنا ، ويعرف حدوده ولكنه يحاول كل مرة أن يقترب منها ويتخطاها ليرى ردود أفعالنا على سلوكه ، فإن لاحظ بغريزته الفطرية اختلافنا في موضوع ما يخصه ، فإنه سيأخذ الأقرب إلى نفسه ويتحدّى الآخر ، لأنه يتعلم أنه كلما تخطى حدّاً بنجاح فقد انتقل إلى مركز قوة أكبر. ولهذا عليه أن يُدرك أن للسفينة وجهةٌ واحدة وربّانٌ واحد ، وهدفٌ واحد هو سلامة وصول الجميع ، وهذا سيتسبب له في الشعور بالاستقرار والأمان.
ومن هنا على كل أب وأم أن يجتمعا ويقررا كيف سيتصرّفان مع أبنائهما ( ذكوراً أو إناثاً ) حتى قبل أن يُنجبا !!
ولا يتركان الدلال يُفسد توجيههما للأبناء، فالمحبة لا تعني الإفساد وتلبية كل الطلبات والرغبات والتغطية على أخطائهم ، لأن الدلال مقبول جداً ما دام بحدود ، لكن إن تحوّل إلى نوع من الميوعة فقد أضاع هدفه ودمّر الطفل وشوّه شخصيته ، فكلمة ( لا ) في مكانها الصحيح تماثل كلمة ( نعم ) في مكانها الصحيح ، وهكذا يمكن التنبؤ بردود أفعال الجميع مسبقاً .
ومن هنا أستطيع القول ، أنك لو دفعت كرةً صغيرةً للأمام ، فردّ فعلها هو التقدم للأمام بمقدار دفعك لها ، ولو قدّمنا لأبنائنا أو شركائنا دفعة حنان ومحبة ، أو مشاركة وجدانية وتقديراً وتفهما ، أو قبلة حانية لصغارنا حتى المخطئ منهم ، لكان ردّ الفعل حناناً ومحبةً ، ومشاركةً أكثر وتفاعلاً أكبر ، ولن تكون النتيجة إلا خيراً . بينما لو دفعت كرتك للوراء ، فلن تندفع إلا إلى الوراء ، ولن تحمل علاقتك بأحبتك عندها إلا ردود الفعل السلبية التي لن ترضيك ولن تسعدك!!
أتمنى ألا نرى في أنفسنا شخصيات متعنّتةٍ محصنةٍ ضدّ كل تغيير – حتى لو كان إيجابياً – فنقول أن شخصياتنا قد ثبتت بمرور الوقت ، ولم تعد قابلة للتعديل ، ولنبدأ بحساب أنفسنا عن اتجاه أفعالنا لندرك ما ستكون عليه ردود أفعال الآخرين . ولا ننسَ قوله عزّ من قائل : ( إنّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم ) .
nasamat_n@yahoo.com