زاد الاردن الاخباري -
ركزت مباحثات جلالة الملك عبدالله الثاني مع رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، في مدينة لاهاي اليوم الأربعاء، على سبل الارتقاء بالعلاقات الأردنية الهولندية في مختلف المجالات، إضافة إلى التطورات الإقليمية الراهنة.
واتفق جلالة الملك ورئيس الوزراء الهولندي على توسيع التعاون بين البلدين، خصوصا في الميادين التجارية والطاقة المتجددة، والزراعة وإدارة المياه والنقل والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والابتكار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعسكرية.
وخلال المباحثات الثنائية والموسعة، تم التأكيد على أهمية الاتفاقيات التي وقعها الأردن وهولندا خلال الزيارة، وضرورة البناء عليها، خدمة لمصالح البلدين والشعبين الصديقين، فضلا عن مواصلة التنسيق والتشاور إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
كما تناولت اتفاق تبسيط قواعد المنشأ بين الأردن والاتحاد الأوروبي، وفرص البناء عليه لزيادة الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأوروبية وجذب استثمارات جديدة إلى المملكة، إضافة الى الاستفادة من الخبرات الهولندية في مجال التدريب التقني.
وأعرب جلالة الملك عن تقديره للدعم الذي تقدمه هولندا للأردن لتمكينه من التعامل مع أزمة اللجوء السوري، وتنفيذ العديد من البرامج التنموية.
وتطرقت المباحثات إلى الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وضرورة تكثيف المساعي للتوصل إلى حلول سياسية لها تعيد الأمن والاستقرار لشعوبها.
وفيما يتعلق بالتطورات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، أكد جلالة الملك أن التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يعتبر مفتاحا لتحقيق الاستقرار في المنطقة برمتها، لافتا جلالته إلى أهمية دور الاتحاد الأوروبي في تحريك عملية السلام.
وشدد جلالته، في هذا الصدد، على ضرورة بذل المزيد من الجهود لبناء الثقة في العملية السلمية، وإعادة إطلاق مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استنادا إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وبما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
المباحثات تناولت أيضا انعكاسات الإجراءات الإسرائيلية ومن ضمنها بناء المستوطنات على فرص تحقيق السلام، إضافة إلى التحديات التي تواجه الكنائس في القدس، ودور الأردن في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.
كما تطرقت إلى دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وضرورة دعم المجتمع الدولي لها، لتمكينها من الاستمرار في القيام بدورها الإنساني والإغاثي.
وتم استعراض الجهود الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب، ضمن استراتيجية شمولية، حيث حذر جلالته من خطورة انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية، حتى لا يستخدمها المتطرفون ذريعة لتغذية أجنداتهم الإرهابية.
وحضر المباحثات وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، ووزير الصناعة والتجارة والتموين، والسفير الأردني في هولندا، فيما حضرها عن الجانب الهولندي وزير الخارجية، ووزيرة التجارة الخارجية والتعاون التنموي، ووزيرة الزراعة، ووزيرة البنية التحتية والمياه، والسفيرة الهولندية في عمان وقائد القوات المسلحة الهولندية.
وحضر جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله، مأدبة الغداء الرسمية، التي أقامها رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، تكريما لجلالتيهما والوفد المرافق، بحضور جلالة الملك ويليام الكسندر، ملك مملكة هولندا وجلالة الملكة ماكسيما.
وألقى جلالة الملك عبدالله الثاني، كلمة خلال مأدبة الغداء، تاليا نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
صاحبا الجلالة،
رئيس الوزراء،
الأصدقاء الأعزاء،
يسعدني والملكة رانيا أن نزوركم مجددا في هولندا. وأشكركم باسمنا جميعاً على ترحيبكم الحار والحفاوة التي استقبلتمونا فيها منذ وصولنا.
السيد رئيس الوزراء، خلال السنوات القليلة الماضية، عملنا معا لمواجهة بعض القضايا التي شكلت تحديات حقيقية، ومن بينها قضايا الأمن العالمي، والتغير المناخي، وأزمة اللاجئين.
فيما يتعلق بقضايا الأمن فإن بلدانا يتعاونان بشكل وثيق في الحرب على الإرهاب العالمي، ويعملان جنبا إلى جنب ضمن التحالف الدولي ضد داعش.
كما أننا شركاء في برامج ثنائية وأخرى متعددة الأطراف، ومنها مبادرات للقطاع الخاص وبرامج للتبادل الأكاديمي. ويقدر الأردن عاليا اختياره ليكون من بين الدول والشركاء الجدد، الذين يحظون باهتمام وأولوية برامج التعاون التنموي الهولندي.
وكما أوضحتم بالفعل، فإن الأوضاع والتحديات الصعبة التي نواجهها اليوم، تتطلب نهجا يستجيب لطبيعتها الضاغطة. فنحن في الأردن نستضيف 1.3 مليون لاجئاً سورياً مما يشكل عبئا كبيرا على شعبنا واقتصادنا.
لقد بات من الضروري العمل على إيجاد حلول إبداعية تزود الشباب بالأدوات وتتيح لهم الفرص التي يحتاجونها لبناء مستقبل آمن، وأيضا لمساعدة اللاجئين، خصوصا الشباب منهم، للعودة إلى ديارهم، متسلحين بالمهارات والقيم المجتمعية الضرورية لإعادة بناء أوطانهم.
وهذا هو جوهر خطة الاستجابة الأردنية للتعامل مع الأزمة السورية، المعترف بها عالميا. ونأمل أن نعمل معكم ومع حكومتكم بشكل وثيق خلال الأيام القادمة، للمضي قدما في تحقيق تنمية مستدامة وشمولية، ولتعظيم استخدام الموارد الشحيحة، وللاستفادة من نقاط القوة الكثيرة التي يتمتع بها الأردن، خصوصا ما يتميز به شعبنا من مواهب وطموح.
إن الأردن يتطلع إلى زيادة حجم التجارة مع هولندا، كما نرحب بالاستثمارات والابتكارات الهولندية، خصوصا في مجالات الطاقة البديلة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والبيئة. فهذه القطاعات تشكل أولوية لنا، نظرا للفرص الكبيرة التي توفرها، ومساهمتها الإيجابية في تعزيز منعة اقتصادنا.
من بين القضايا ذات الأولوية لنا، كما أشرتَ، هي العلاقة الحيوية والمترابطة بين الغذاء والطاقة والمياه، فالأردن يعتبر ثاني أفقر دولة في المياه في العالم. وبالرغم من الاختلاف الكبير لوضع المياه في بلدينا، إلا أن لا أحد يتقدم على بلدينا في تقدير أهمية إدارة المياه على مستقبل البشرية. وفي هذا الشأن، تبرز مجالات بناءة لتوظيف خبراتنا المشتركة.
ومن المؤكد أن التعاون الأمني هو من بين المجالات المتعددة التي تحظى بدرجة عالية من الاهتمام المشترك. ولطالما دعوت إلى اتباع نهج شمولي: يعالج التهديد الأمني، وفي نفس الوقت يتصدى للحرب الفكرية من خلال إرساء الاعتدال وإدماج الجميع، مما يجعل جميع مكونات المجتمعات، وخاصة الشباب، شركاء في مستقبل يسوده السلام والاحترام المتبادل. وهذه قيم لطالما تبناها ودافع عنها الشعب الهولندي.
وأخيرا، اسمحوا لي أن أتطرق إلى أزمات منطقتنا وأهمية إيجاد حلول سياسية لها. فمن الضروري جدا المضي قدما وفق مسار جنيف لمساعدة الأطراف السورية في التوصل إلى تسوية سياسية تشمل الجميع. كما يجب أن لا نغفل عن القضية المركزية في المنطقة، وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقلق العالمي المتزايد إزاء وضع مدينة القدس. فيجب علينا جميعا حماية المدينة المقدسة وإعادة عملية السلام إلى مسارها. وبإمكان هولندا بصفتها دولة رائدة في العمل الدبلوماسي من أجل السلام وتحظى باحترام الجميع، أن تقوم بدور مهم في هذا المجال.
الأصدقاء الأعزاء،
لقد تناولت بعض المجالات التي تشكل اهتماما مشتركا لبلدينا، ولكن هناك الكثير من الفرص لترجمة الأهداف المشتركة للأردن وهولندا. أرحب بأفكاركم وأتطلع قدما، في المستقبل القريب، لتوسيع شراكاتنا عبر وسائل جديدة ومبتكرة".
كما ألقى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته كلمة، تاليا نصها: "أصحاب الجلالة، أصحاب المعالي، السيدات والسادة، يسعدنا ويشرفنا الترحيب بكم في (الرولزال في بيننهوف)/ المكان الذي يرمز إلى قلب الملكية الدستورية الهولندية. ونلتقي اليوم كشركاء وأصدقاء في أوقات صعبة.
جلالة الملك عبدالله الثاني، عندما تسلمت جائزة ويستفاليا للسلام قبل عدة سنوات كان لكم مناشدة رائعة تطالب بالاحترام المتبادل والتعاون والسلام بين الشعوب وجميع الأديان والأمم. وقد عبرتم عن ذلك بمنتهى الحكمة إذ قلتم "لا شيء يخدم أهداف العصابات الإرهابية الدولية أكثر من مخاوفنا وسوء فهمنا لبعضنا لبعض." إنني أتفق معكم تماما. إن الاحترام المتبادل والتفاهم اللذان يجمعان شعبي الأردن وهولندا – يشكلان الأرضية لمستقبلنا المشترك.
خلال السنوات الأخيرة توحدت جهودنا في الحرب على الإرهاب. وبالرغم من سقوط داعش وخلافتها المزعومة، فيجب أن لا نكون تحت أي وهم بأن هذا الفكر الشرير قد انتهى. لقد قمنا بالأمس بتوقيع مذكرة تفاهم حول جهود كل منا لتعقب حركة الإرهابيين، وهي تؤكد تصميمنا على الاستمرار في محاربة خطر الإرهاب.
إننا شركاء أيضاً في التصدي للآثار السلبية لأزمة الهجرة الناتجة عن الحرب في سوريا. ونحن نعي جيدا في هولندا أن تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري إلى الأردن قد تسبب بضغوط كبيرة على الاقتصاد والخدمات العامة، مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم. ونود أن نعبر عن عميق احترامنا للمملكة الأردنية الهاشمية وللشعب الأردني لتحملهم هذه المهمة الصعبة. ويسعدني تمكّن هولندا من المساهمة في التخفيف من هذا العبء عبر مساهمات مالية تقدمت بها على مدار العامين الماضيين.
إن هذه الزيارة الرسمية تؤكد على الشراكة المهمة بيننا والتي تهدف إلى تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية بين بلدينا. لقد جئتم إلى هولندا بهدف إرساء تحالفات جديدة من شأنها أن تعزز منعة الاقتصادي الأردني. وهناك العديد من الشركاء الهولنديين الذي يتوقون إلى ترجمة ذلك. ويسعدني للغاية أن أرحب بقيادات ورجال أعمال من كلا البلدين: هولندا والأردن، الذين ينضمون لنا اليوم، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات فكرية وبحثية وحكومية في هولندا. لدينا جميعا مصلحة في تحقيق علاقات اقتصادية متنوعة، وأن يستمر الأردن قويا ومستقرا وسط إقليم يعج بالأزمات. ولذلك لا بد أن نستمر بالعمل معا وفق هذا الأسلوب.
إن لقاءنا اليوم يركز على العلاقة المترابطة بين الغذاء والطاقة والمياه، وهي موضوعات متشابكة بشكل كبير وتتطلب نهجا متكاملا. وهذا هو الواقع في العديد من البلدان، بما فيها هولندا والأردن. إن الالتزام بمقاربة مستدامة فيما يتعلق بأمن الغذاء والمياه والطاقة، من شأنه أن يساعد الأردن في تجاوز التحدي المتمثل بكونها إحدى أفقر الدول مائياً في العالم. إننا في هولندا نواجه تداعيات التغير المناخي، وأهمية التحول من طاقة تعتمد على المشتقات النفطية إلى طاقة شمسية ومائية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لزراعة مستدامة. قد تكون هذه التحديات مختلفة بالفعل، لكن بإمكاننا الاستفادة من تبادل الأفكار حول المقاربات الناجحة لكل منا.
ومن الأمثلة على ذلك: الزراعة المائية، والتي تقلل الاعتماد على المياه العذبة لري المحاصيل الرئيسة بنسبة تصل إلى 90 بالمائة، وتحافظ على معدلات إنتاج ثابتة على مدار السنة، وتؤدي إلى زيادة الإنتاج الغذائي. إن جامعة فاخينينجن تعمل مع شريكها في الأردن "إيكو كونسلت" والمزارعين الأردنيين للاستفادة من التكنولوجيا الهولندية في مجال الزراعة المائية إلى الأردن.
ومثال آخر على تعاوننا، هو تحسين معالجة مياه الصرف لغايات الري. ويعمل معهد "آي اتش إي دلفت" المتخصص في قطاع المياه بشكل وثيق مع وزارة المياه والري الأردنية وجامعات أردنية عدة من أجل تحسين معالجة المياه العادمة. ولا يزال هناك نطاق أوسع لتطوير هذه الأساليب.
آمل أن تسهم هذه الزيارة ومناقشاتنا اليوم في تطوير رؤى وأفكار جديدة وفي تعزيز التعاون بين الشركاء الأردنيين والهولنديين على جميع المستويات. وبحضوركم يا أصحاب الجلالة معنا هنا، فإنني متأكد من أن لقاءنا سيكون حيويا وبنّاءً للغاية. أصحاب الجلالة ، أشكركم مرة أخرى على تكريمنا بحضوركم معنا".
وعلى هامش زيارة جلالة الملك إلى هولندا، وقع البلدان اتفاقية منحة هولندية لإعداد جدوى اقتصادية لتطوير منطقة الشحن الجوي في مطار الملكة علياء الدولي، ومذكرة تفاهم بين وزارة الزراعة الهولندية والجمعية الأردنية لمصدري ومنتجي الخضار والفواكه مع وزارة التجارة الخارجية والتعاون التنموي الهولندية ممثلة بالمركز الهولندي لتسويق مستوردات الدول النامية.
بترا