زاد الاردن الاخباري -
في مقال مشترك بمجلة “فورين بوليسي” لكل من شاي فيلدمان مدير مركز كراون لدراسات الشرق بجامعة برانديز وتامار كوفمان ويتس من مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز عن “الحب” العربي لإسرائيل. وأشار الكاتبان في مقالهما ” الآن الجميع يحبون إسرائيل”. ويفترضان هنا أن الحب لا يتعلق فقط بالإصطفاف مع إسرائيل ضد إيران بل له أبعاد أخرى. ويلاحظان أن إسرائيل لم تعد مثيرة للجدل في العالم العربي وهو ما يثير الدهشة.
ويبني الكاتبان رؤيتهما على زيارة لهما استمرت 11 يوماً الى الكويت والسعودية حيث “لم نسمع ذكراً للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلا مرة واحدة. وهذا تحول مهم جداً حيث كان العداء لإسرائيل بمثابة الموحد للحكومات العربية المتشرذمة”. ولكن الكاتبين يدعوان للتأني “فلو كان التغير حقيقياً فمن السهل إساءة فهمه”. ففي مؤتمر نظمه مركز كراون في جامعة برانديز العام الماضي “تساءل زميل عربي: متى سيعترف العرب بإسرائيل؟” وأجاب “عندما يكتشفون أنهم في حال أحسن مع إسرائيل أكثر مما لم تكن موجودة”. ويحاول المسؤولون الإسرائيليون والمحللون الإشارة إلى عبارة “حال أحسن” تعني الأمن. ويزعمون أن التهديدات المشتركة النابعة من إيران والتطرف الإسلامي أصبحت أجندة جديدة تعمل على توحيد الدول العربية مع إسرائيل. وعليه أصبحت إسرائيل جزءاً من الحل العربي لمواجهة أعدائهم والبحث عن نظام إقليمي جديد مريح للجميع. ويعتقد الكاتبان أن الدول العربية لديها الكثير من الأسباب التي تجعلها تعتقد أن وضعها أفضل مع وجود إسرائيل بالمنطقة. ويشيران هنا إلى تطورين مهمين وهما: ثورة الطاقة التي حولت إسرائيل ليس كدولة مكتفية ذاتياً ولكن كمصدر لها. ويعتبر العقد الذي وقعته إسرائيل مع شركات مصرية بـ 15 مليار دولار ولمدة 10 أعوام لتزويد مصر بالغاز الطبيعي مغيراً للعبة في السياسات الإسرائيلية- العربية. وسيسمح الاتفاق لمصر كي تحول الغاز الطبيعي إلى مسال وتصدره إلى أوروبا وأفريقيا بشكل يخلق علاقة اقتصادية متداخلة بين عدوين سابقين. وهذا التطور ليس أهم من التعاون الإقتصادي والفرص الجديدة بين إسرائيب ودول مجلس التعاون الخليجي.
وهذا التعاون متجذر بالقوة التكنولوجية الإسرائيلية والاقتصاد الخلاق. وتتمتع دول الخليج بدعم إسرائيلي للدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين من خلال تكنولوجيا الرقابة والتشارك في المعلومات الأمنية. ويعلق الكاتبان:”تخيل إمكانيات التعاون التكنولوجي المدني في وقت تتحرك فيه دول الخليج لتنويع اقتصاداتها بشكل كامل بعيداً عن موارد الغاز والنفط إلى اقتصاديات تقوم على اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا والمعرفة”.
لا عزاء لفلسطين
ويضيف الكاتبان أن الفوائد المتزايدة للتعاون بين الدول العربية وإسرائيل تلقت دفعة موازية من تراجع اهتمام الحكومات العربية بالموضوع الفلسطيني. فرغم استمرار التزام الحكومات العربية بالقضية الفلسطينية إلا أن هناك مظاهر تعب من كل ما هو فلسطيني. وهذا لأن سبب عقود من الدعم العربي للفلسطينيين لم يؤد إلا لثمار قليلة وأكثر من هذا هو فقدان الصبر بالوضع الفلسطيني والانقسامات المستمرة ومحاولة الدول العربية وإيران استخدام الفصائل الفلسطينية كأداة في طموحاتها الإقليمية. وزيادة على هذا الصراع الذي يلوح بالأفق بين القيادات الفلسطينية حول من سيخلف الرئيس محمود عباس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. والدول العربية منشغلة في تحقيق مصالحها الضيقة حول من سيفوز في الإنتخابات أكثر من الدفاع عن القضية الفلسطينية ضد إسرائيل.
ويعتقد الكاتبان أن الأثر المتراكم لهذه العوامل هو تغير دراماتيكي في مواقف عدد كبير من الدول السنية. وهو تحول كبير من العداء الشامل لإسرائيل للقبول بوجودها في المنطقة كمصلحة لها. ويعتقد القادة الإسرائيليون بمن فيهم الحكومة الحالية أن هذا التغير يعطيهم يد مطلقة لحل الصراع مع الفلسطينيي بطريقة محببة لإسرائيل.
ومهما كانت هذه الفرص إلا أن المناخ الجديد يضع أمام إسرائيل الكثير من القيود والمعضلات. والمحدد الاول نابع من الفصام بين الموقف الرسمي والشعبي في الدول العربية. صحيح أن الحكومات العربية باتت تركز على المشاكل الداخلية التي تواجهها وتتعامل مع القيادة الفلسطينية من منظور الساخر إلا أن الرأي العام العربي لا يزال يهتم بالقضية الفلسطينيين الذين يقدم الإعلام مأساتهم على قاعدة يومية. وفي الوقت الذي قيدت الحكومات العربية حرية التعبير والمعارضة إلا أن الربيع العربي عام 2011 ذكرهم بمخاطر تجاهل الرأي العام. وكدليل على هذا الكويت التي عاش فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين في العقود الماضية وتم تهجيرهم جماعياً بعد وقوف منظمة التحرير إلى جانب صدام حسين عام 1990 إلا أن الكويت لا تزال تشرف على منظمة المقاطعة العربية لإسرائيل ولا تزال القضية الفلسطينية حاضرة في ذهن الكويتيين. ويعتبر البرلمان العجلة التي يتم من خلالها تمرير هذه المشاعر، حيث الحركة الإسلامية والرموز السياسية. وليس مستغرباً والحالة هذه استمرار الكويت في ولائها للقضية الفلسطينية وبعدة طرق. مثل منع دخول الزوار الذين تربطهم جوازاتهم بإسرائيل والإعلان نية فتح سفارة لها في الأراضي الفلسطينية هذا العام. وهذا هو الحال بالنسبة للسعودية رغم الإشارات عن موقف القيادة الممتن من الدور الإسرائيلي لموازنة التأثير الإيراني في المنطقة. فالرأي العام والمشاعر الدينية هما السبب الذي يجعل الحكومة السعودية بموقفها المشترط نهاية النزاع وتسوية القضية الفلسطينية مقابل التطبيع وذلك بناء على المبادرة العربية عام 2002.
مطلب بعيد
وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية فإن هذا يظل مطلباً بعيد المدى. ويرى الكاتبان أن الرد المكتوم على قرار الرئيس دونالد ترامب الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل هو علامة على ما حدث وما لم يحدث. فالطريقة التي امتصت فيها الحكومات العربية القرار كان من خلال التضامن مع القيادة الفلسطينية والتأكيد على حق الفلسطينيين في القدس. وحققت إسرائيل نصراً رمزياً إلا أنه لو حاولت قتل الطموحات الفلسطينية فقد تواجه جبهة موحدة. وعليه فلو كانت إسرائيل حريصة على حسن نية الحكومات العربية فيجب أن تكون حساسة لمظاهر قلقها خاصة أنها تواجه مواقف متناقضة من الرأي العام. ويمثل المناخ الجديد لإسرائيل معضلة جديدة لم تكن تواجهها عندما كان العرب جميعا معادين لها. وتتعلق بموقفها من نقل التكنولوجيا المتقدمة للدول العربية. فمن الناحية التقليدية استخدمت إسرائيل كل مظاهر تأثيرها على الإدارات الأمريكية المتعاقبة وكذا الدول الأوروبية وروسيا لمنعها من بيع السلاح المتقدم الذي يحرمها من التقدم النوعى إلى الدول العربية. كما عارضت نقل أي تكنولوجيا نووية حساسة لأي من الدول العربية. فماذا تفعل الآن بالسلاح الحساس الذي يباع لأصدقائها “الجدد”؟ وهل تتحمل إسرائيل المخاطر في المستقبل- في حال قررت هذه الدول مواجهتها؟ وتواجه إسرائيل المعضلة الآن من ناحية بيع ألمانيا غواصات لمصر وظهرت الخلافات بين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين وسط تحقيقات جنائية وفساد تتعلق بعلاقة إسرائيل بالمنتج الألماني للغواصات.
وتمثل رغبة السعودية الحصول على التكنولوجيا موضوعاً مزعجاً لإسرائيل لأنها غير مرتاحة بحصول السعودية على هذه القدرات. وفي النهاية فقد خلق الشرق الأوسط الفوضوي حالة من الأصدقاء الأعداء. وبالنسبة لإسرائيل التي تعيش عزلة إقليمية منذ 70 عاماً فالإمكانيات مفرحة إلا أن الآفاق الجديدة يجب أن لا تعمي قادة إسرائيل أو الرأي العام الإسرائيلي عن الخيارات الصعبة في الأشهر والسنوات المقبلة.