زاد الاردن الاخباري -
تجد متغيرات المنطقة، المعتملة منذ سنوات، حضورها الثقيل بمفاصل الأبعاد الاقتصادية والمجتمعية غير المحمودة، ما قد ينعكس سلباً بمساعي ترسيخ العلاقات التعاونية والتشاركية بين الدول العربية، وسط "النزاعات البنيوية الحادة، واتساع نطاق الاختراق الخارجي"، وفق مسؤولين.
وتأخذ أزمات المنطقة العربية مداها ضمن ساحات تقليدية وازنة باتت مرتعاً مضاداً للتهدئة، بحيث يصعب الحديث اليوم عن جهود إعادة الإعمار فيها، لاسيما في سورية والعراق، إزاء غلبة صوت البندقية على أفق التسوية البعيدة.
فيما يصطدم حراك التنمية الشاملة بحالة الاستقطاب العميقة التي أفرزتها أحداث المشهد العربي الإقليمي، منذ 2011، ما جعل تكتلات اقتصادية وازنة، مثل الصين، تعلن عن وقف استثماراتها وتعاملاتها التجارية في بعض الدول العربية، بينما تواجه مشاريع دولية كبرى، مثل "الحزام والطريق" الصيني، تحديات ليست سهلة عند تنفيذها بالمنطقة.
وتطل معركة مكافحة التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم "داعش" الارهابي، برأسها الثقيل بين ثنايا التعاون الأمني اللوجستي العربي الأكثر تطوراً وأفضلية، خلافاً للجوانب التعاونية الأخرى، حيث "لا تتعدى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية حوالي 11 % من حجم تجارتها الخارجية"، وفق المسؤولين.
ويزيد من عمق الأزمة، بحسبهم، اتجاه النظام الإقليمي العربي نحو "العسكرة"، وليس للاعتماد المتبادل والتكامل الاقتصادي بين دوله، ما جاء على حساب تفاعلاته التنموية والتكاملية وتحويله إلى كتلة أو جماعة اقتصادية – سياسية قادرة على التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي، بالرغم من توفر الإمكانيات الحيوية، وفق ما خلصت إليه نقاشات مؤتمر "نحو شراكات عربية تكاملية"، الذي عقد مؤخراً في البحر الميت بتنظيم اتحاد رجال الأعمال العرب وجمعية رجال الأعمال الأردنيين.
وإذا كانت "المنطقة ملتهبة، بأحداثها التي تترك تأثيرها المباشر في علائق "التشبيك" العربي، فإن غياب مؤشر الاستقرار بالأفق القريب، على الأقل، يدفع باتجاه السعي نحو نسج شراكات عربية تكاملية من شأنها أن تخلق تنمية شاملة"، وفق رئيس مركز استشراف المستقبل، الدكتور هيثم حجازي.
وقال حجازي إن "كامل اللوم في تعثر أنماط التعاون والشراكة العربية يجب أن لا يقع على مشجب الأوضاع المضطربة بالمنطقة"، لاسيما وأن الأخيرة "غنية بالقطاعات الحيوية القابلة للشراكة البينية".
وأفاد بأن "ما تتمتع به دولة عربية قد تفتقر إليه أخرى، مما يسمح، في حال توفر الإرادة الحقيقية، إلى تعزيز خاصية توزيع الاستثمارات فيما بينها"، حيث يتمتع الأردن، على سبيل المثال، بالسياحة العلاجية والتعليمية والخدمات النوعية الأكثر استقطاباً، فيما قد يتم تحويل الاستثمار في الصناعات، مثلاً، إلى دولة عربية، ضمن إطار التنسيق والتعاون البيني، بما يخلق نوعاً من التكامل العربي الذي نحتاج إليه كثيراً في تلك المرحلة".
واعتبر أن "هناك تقصيراً حكومياً واضحاً، إذ إن مسؤولية جلب الاستثمارات وتحريك عجلة الاقتصاد، ضمن بيئة قانونية وتشريعية ناظمة ومشجعة، تقع على كاهل الحكومة، من المسؤولين وكبار الموظفين المعنيين باتخاذ القرار والإيعاز بالتنفيذ".
بيد أن الأنماط التعاونية في النظام الإقليمي العربي متعثرة، إذ لم تستطع آليات مؤسسة الجامعة العربية وأذرعها الجمعية بلوغ مستوى التعاون المطلوب بين دولها، فيما تعتري المنظومة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي خلافات معتبرة، رغم حرص الإبقاء عليه دون تفكيكه، ولكن من دون نجاح مساعي تحويله إلى "اتحاد"، حتى الآن.
من جانبه، رأى الرئيس التنفيذي لهيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية، هيثم الوحيدي، أن "الشراكة الأردنية – الفلسطينية تعد أحد أبرز النماذج الناجحة للشراكات في المنطقة، في ظل التنسيق والتعاون المشترك".
وقال الوحيدي، من فلسطين المحتلة، إن "الجانب الفلسطيني معني باستتباب الأمن والاستقرار في الدول العربية، التي تشكل عمقه الاستراتيجي، بما ينعكس على الوضع في الأراضي المحتلة".
وأضاف إن "حالة التوتر والاضطراب القائمة في المشهد الإقليمي العربي أثرت سلبياً على العلاقات التعاونية العربية، من جهة، وعلى ايجاد المناخ المناسب لاستقطاب الاستثمار الخارجي، من جهة أخرى، بينما تنقلت استثمارات معينة من دولة عربية لأخرى نتيجة الأحداث الجارية بالمنطقة".
ومع ذلك؛ برزت ميزة نوعية بين ثنايا المشهد القاتم، بحسب الوحيدي، عند "لجوء المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم، بدلاً من تركيزها في ساحة عربية منفردة، مما سمح بتوزيعها عبر أكثر من دولة عربية، لاسيما الأردن التي تتمتع بمناخ الأمن والاستقرار الأكثر جذباً للتبادلات التجارية ولمجتمع رجال الأعمال".
وقال إن "فلسطين المحتلة لديها حصة أيضاً من ذلك، في ظل تعليمات الرئيس محمود عباس، وجهود الحكومة الفلسطينية، لخلق بيئة تشريعية وتنفيذية جاذبة للمشاريع الاقتصادية المولدة للتنمية وفرص العمل، في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 27 %، بينما تصل إلى نحو 40 % بين صفوف الجامعيين".
ونوه إلى أن "حجم الاستثمار الأجنبي في الأراضي المحتلة يبلغ نحو 2.8 مليار دولار، يشغل الأردن النصيب الأوفر منها، بينما بلغ حجم الاستثمارات الفلسطينية في الخارج نحو 6 مليارات دولار"، وفق آخر المعطيات الرقمية.
الغد