زاد الاردن الاخباري -
تحول أبعاد ثقافية واجتماعية، ونقص التوعية، دون استفادة آلاف المرضى والحالات الصحية الحرجة، من تبرع مئات المتوفين دماغيا بأعضائهم، والتي قد تشكل لمحتاجي زراعة أعضاء بابا للفرج والصحة.
عشرات آلاف مرضى القلب والعمى والفشل الكلوي أو الرئوي وغيرها من الأمراض المستعصية، ينتظرون دورهم على قوائم المتبرعين بأعضائهم، بينما تسجل في المملكة نحو ألف وفاة دماغية سنويا، تحول معيقات وأبعاد مختلفة دون تبرع المتوفين دماغيا، أو أهاليهم، بأعضائهم لإنقاذ حياة آخرين.
وطبيا تعتبر الوفاة الدماغية موتا مؤكدا، ويشكل جسد المتوفى دماغيا حالة مثلى للتبرع بالأعضاء، وتحديدا القلب. وفيما يعتمد مرضى الدول الغربية والمتقدمة على أعضاء المتبرعين بالوفاة الدماغية، يعتمد المرضى الأردنيون، ممن تزرع لهم أعضاء، في الغالب على تبرع أحياء، وبخاصة من الأقارب من الدرجة الأولى، بحسب مختصين في هذا المجال.
وتشير أمينة سر الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء د.رانيا جبر إلى أن 97% من حالات زراعة الكلى في الأردن، يتبرع بها أقارب من الدرجة الأولى، وممن هم على قيد الحياة، فيما تصل نسبة عمليات زراعة الكلى المتبرع بها من حالات الوفاة الدماغية ومن غير الأقارب، في بعض الدول الغربية، إلى نحو 95%.
إلى ذلك، يقدر اختصاصي جراحة القلب الدكتور داود حنانيا، الذي أدخل زراعة القلب إلى الأردن، عدد ما يسجل من الوفيات الدماغية في مستشفيات المملكة سنويا بين 800-1200 وفاة.
ويعتمد المصاب بالموت الدماغي كليا على الأجهزة الصناعية والعلاجات، لإبقاء نبضات قلبه وتنفسه مستمرين اصطناعيا، ويقول حنانيا إن "الموت الدماغي يعني التوقف في عمل الدماغ والأعصاب".
وفي السياق نفسه، يشير اختصاصي جراحة الأعصاب والدماغ د.يوسف عريقات إلى أن القلب في حالة الموت الدماغي، يستمر في النبض، ويبقى المصاب في نظر الناس على قيد الحياة، ما يخلق في أوقات كثيرة "مشكلة اعتراف الأهل بموت المريض".
وفي ذلك، يوضح حنانيا أن "حسم القرار الطبي بالموت الدماغي، يجب أن يتم من قبل لجنة طبية مختصة، وألا تكون لأي من أعضائها علاقة بمعالجة المريض، نظرا لأهمية ذلك شرعيا وقانونيا وطبيا وأخلاقيا واجتماعيا".
وبحسب ورشة عمل سابقة، نظمتها مدينة الحسين الطبية، فإن الموت الدماغي يتقرر برأي فريق التشخيص الطبي، الذي يجب أن يتوزع على ثلاثة فرق، يتكون كل منها من اختصاصيين اثنين، الأول لجراحة الأعصاب والدماغ، والثاني لباطنية الأعصاب والدماغ، إضافة إلى اختصاصي التخدير والعناية المركزة.
ويدعو مستشار المسالك البولية وزراعة الكلى في مدينة الحسين الطبية الدكتور اللواء خلف جادر إلى "تعميم ثقافة التبرع بأعضاء المتوفين دماغيا بين المواطنين، لإنقاذ حياة المرضى".
ويشدد جادر على ضرورة بذل جهود تثقيفية وتوعوية كبيرة بين المواطنين لحثهم على التبرع بالأعضاء، بخاصة في حالة دخول أي فرد في حالة موت دماغي.
ويقول "الكثيرين ما يزالون لا يعترفون بأن المتوفى دماغيا هو ميت، ما يصعب عليهم قرار السماح بإزالة الأجهزة عن المتوفى، والتبرع بأعضاء حيوية يمكن أن تنقذ حياة مريض أو أكثر لوجه الله تعالى".
وفيما يمكن طبيا الحصول على بعض أعضاء جسد المتوفى بصورة كاملة مثل القرنية لزراعتها لإنسان مريض، فإن ثمة عمليات زراعة تحتاج إلى أن يكون المتبرع على قيد الحياة أو في مرحلة الموت الدماغي مثل عمليات زراعة الكبد والرئتين والقلب، بحسب جادر.
ويلفت جادر إلى أن التوسع بالتبرع في الأعضاء من حالات الموت الدماغي، يمكن أن يحل مشكلة مئات الحالات من مرضى الفشل الكلوي في الأردن، والذين يرزحون تحت معاناة صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، قد تضطر المريض إلى غسيل كليتيه مرتين أو ثلاثا أسبوعيا.
وتقول جبر إنه وللأسف "لا يتم الاستفادة من حالات الموت الدماغي في توفير متبرعين بالأعضاء".
ويشجع القانون الأردني على التبرع بالأعضاء، سواء من أحياء أو متوفين، شريطة أن يكون بناء على وصية يكتبها المتبرع قبل موته، أو بموافقة أهله بعد وفاته.
شرعيا، يقول دكتور الشريعة الإسلامية منذر زيتون إن الله تعالى أمر الناس بالحفاظ على أجسادهم، والامتناع عن الإضرار بها أو إهلاكها، لكنه أمرنا بإحياء النفوس دوما، فقد قال تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
ويضيف زيتون أن التبرع بالأعضاء يعد "صدقة جارية" تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، وترفع الألم عن الآخرين، فضلا عن أنها توفر الجهد والمال على المريض وأهله.
ورغم الموقف الشرعي والطبي الذي يشجع على التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة المرضى، إلا أن هذه العملية تشهد عزوفا وعدم إقبال من قبل المواطنين إلا في الحدود الدنيا.
الغد