هناك بعض الناس الذي يتبرعون للقيام بكل الأعمال رغم علمهم المسبق بأنهم غير قادرين على القيام بها. هؤلاء هم المتنطعون الذين يدّعون المعرفة ويطلقون الأحكام جزافا وغايتهم التشويه وقلب الحقائق وهم غالبا ما ينجحون لأن وسائلهم شيطانية وعندهم القدرة على الإقناع.
كما أنهم أذكياء في اقتناص الفرص ودراسة الشخصيات التي أمامهم والتأثير عليها ومن ثم إملاء القرارات التي تصب في الأغلب الأعم في مصلحتهم الخاصة. ويصورون أنفسهم على أنهم زاهدون في المنصب وأنهم يدفعون إليه دفعا وهم في الحقيقة يرصدون الأخطاء ويسجلونها ويزيدون عليها ما حلا لهم وطاب .
حتى إذا استتب لهم الأمر يتفرغون لسياسة الإقصاء وإبعاد كل من قد يمثل لهم تهديدا من قريب أو بعيد ، ويتّبعون في ذلك كافة الطرائق والوسائل من تشويه للسمعة إلى الاتهام بالفساد إلى التقليل من كفاءة الخصوم أو المناوئين ويكون أول ضحاياهم من أوصلهم إلى فوق فهم لا يتحملون وجود الشركاء ويكرهون تاريخهم ويرغبون في كتابته من جديد بما يوافق أهواءهم ويخدم طموحاتهم.
فان خلا لهم الميدان يبدأون في إعادة ترتيب الأمور وتثبيت بقائهم بإحاطة أنفسهم بالمتملقين الرادحين الذين يعملون على نشر الدعاية لهم وخلق تصورات عن الإنجازات التي قدموها ويقدمونها وتلك التي سوف يقدمون عليها في المستقبل. ويزرعون في الأذهان أن الدنيا ستهتز وان الويلات ستقع بدون وجود هؤلاء الأشخاص وان وجودهم رحمة للعباد ولا يستوي الأمر بدونهم.
فإن أوهموا الناس بما يريدون يعملون على استمالة القلوب بالولائم والعزائم والمنح والأعطيات التي تكون على حساب المنصب وينسبونها لأنفسهم دون خوف أو خجل حتى يكثر مريــديهم وتزداد شعبيتهم وينالهم من كل صنوف المدح قصائد ويتباكى الشعراء على أبوابهم ويتقاتلون من أجل كسب ودهم ورضاهم.
فإن وصلوا إلى هذا المنعطف يبدؤون في التفكير في مصالحهم الخاصة وهي الهدف الأول الذي ناضلوا منذ البداية من أجله. فيأكلون من هنا وينهشون من هناك بأساليب لا تشوبها شائبة متسلحين بتفسيرات عجيبة للقوانين وابتداع الأفكار والمشاريع التي تحوِّل التراب إلى تبر والتي ظاهرها المنفعة العامة وباطنها يصب في جيوبهم الخاصة. وهم لا يشبعون ولا يرتوون بل يزداد نهمهم يوما بعد يوم ولا يهمهم غير أنفسهم، وأوطانهم عليهم رخيصة فهي حقيبة سفر يحملونها معهم في حلهم وترحالهم ويستقرون بها حيث تكتنز أموالهم، فالمال هو وطنهم يُحل لهم كل الأرض ويفتح أمامهم كل الأبواب المغلقة.
فإن هبت عواصف الزمان وأصابتهم العاديات بشرورها فهم بين ميت غير مأسوف عليه أو مُطاح به يتربص وينتظر ليستجمع قواه وينقض مرة ثانية. وفي هذه المرة تراه يلبس مسوح الرهبان ويتقرب ممن أنكرهم وأبعدهم أيام مجده. ويصبح المدافع والمقاتل الذي لا يشق له غبار عن مصالحهم مسلطا لسانه وسيفه على من حل مكانه مبديا نقائضه ومتحسرا على ما يسميها أيام العدل والإحسان التي عاشها الناس يوم كانت الكلمة كلمته والأمر آمره آملا أن يحمله الناس إلى العلا مرة ثانية وهيهات أن يعود لما كان , فالأيام دول ويومه قد ولى إلى غير رجعة ويجلس منتظرا أن يطويه الزمان كما طوى فرعون وهامان متسلقا السلم إلى أسفل ولكن وحيدا هذه المرة وخائفا من كل الذين مستهم ِشآبيب رحمته يوما من الأيام.