تنامي ظاهرة الانتحار في الاردن وزيادتها على نحو تدريجي متصاعد خلال السنوات الاخيرة, اصبح بحاجة الى اكثر من تجمهر المتفرجين في بعض الاماكن العامة لمشاهدة فصول انتحارية استعراضية, يقوم ابطالها باختيار مواقع في غاية الارتفاع, للفت الانظار الى معاناتهم من اسباب عاطفية او مالية او اجتماعية او غيرها من تعقيدات الحياة المعاصرة, وانما يتطلب الامر تدارس العوامل الحقيقية التي تدفع الانسان الى قتل نفسه مع سبق الاصرار والترصد, بعد ان ضاقت في مفهومه ابواب الامل الى حد الانغلاق تماما, خاصة اذا ما كان يعاني ايضا من اضطرابات نفسية فرضها عليه واقع حياته اليائس من كل شيء.! تفيد احصائيات المركز الوطني للطب الشرعي انه تعامل مع 40 حالة انتحار خلال عام 2007م, ارتفعت الى 60 حالة خلال عام 2008م, لكنها وصلت خلال 2009 م الى 65 حالة تمت عن طريق الشنق او السم او اطلاق العيارات النارية او القفز من على المرتفعات, وهذه الحالات جميعها كان نهايتها الموت, يضاف اليها في ذات العام الذي مضى قبل فترة وجيزة, اكثر من 400 محاولة انتحار لم يفلح اصحابها في وضع حد لحياتهم, في حين شهد النصف الاول من شهر كانون الثاني الحالي 2010م ست حالات انتحار والحبل على الجرار, واذا ما اضفنا الى ذلك ان العديد من المحاولات لا تصل الى الشرطة او الطب الشرعي لاسباب اجتماعية او خشية المساءلة القانونية فان الارقام تصبح مفزعة ولا بد من وقفة مراجعة جادة امامها عوضا عن تجاهلها ودفن الرؤوس في الرمال.! تتنوع الدوافع الانتحارية من شخص الى اخر لكنها تتركز في معظمها على ازمات تتجاوز الجانب الشخصي في كثير من الاحيان, الى مشكلات اقتصادية واجتماعية وحتى نفسية يعاني منها المجتمع عموما, ولهذا فانها تستدعي اجراء دراسات ميدانية على حالات الانتحار ما انتهى منها الى فقدان الحياة بأي وسيلة كانت, او من ينقذون انفسهم او يتم انقاذهم في اللحظات الاخيرة وربما بعد اصابات خطيرة للتعرف على هذه الافة القديمة الجديدة التي تتعارض مع كل القيم الدينية والعادات والتقاليد التي تحض على شجاعة الانسان وترفع من قدرته على تحمل المشقة والصعاب والصبر على متاعب الحياة وازماتها.! يرجع بعض المختصين الغالبية العظمى من حالات الانتحار الى الاكتئاب النفسي والاضطرابات النفسية التي يتزايد ضحاياها بين عام وآخر, حيث ان نسبة 80% من المنتحرين يعانون من اكتئاب نفسي وحوالي 20% هم من المصابين بامراض نفسية اخرى, في الوقت الذي يعاني فيه الطب النفسي في الاردن من نقص حاد في الاطباء النفسيين والكوادر المساندة لهم, حيث لا يزيد هؤلاء الاطباء المختصون على 40 طبيبا, في حين ان الدول المتقدمة التي تتساوى بعض اعداد سكانها مع سكان الاردن, يوجد فيها نحو الف طبيب لكل ستة ملايين نسمة, وهذا ما يظهر عجزا هائلا في جانب طبي على غاية من الاهمية لا بد من التحرك لمواجهته طبيا واجتماعيا ونفسيا.! هذا التصدع في الحالة النفسية لبعض افراد المجتمع الاردني حتى لو كانوا لا يشكلون نسبة تذكر من المجموع العام, الا انهم يؤشرون على حالات اليأس التي تعصف بهم جراء الضائقة الاقتصادية والتعقيدات الاجتماعية والقضايا المزمنة من فقر وبطالة, اضافة الى دوافع ذاتية محضة مردها الجانب النفسي لاصحابها, وهذا ما يجعل خطيئتهم لا تقع على رقابهم فقط, وانما يتحمل مسؤوليتها المجتمع ايضا في ضرورة معالجته للازمات العامة, مع توفير استراتيجية صحية وطنية ترفع من مستوى الطب النفسي الذي يحتاجه الكثيرون.!0 Hashem.khreisat@gmail.com