يعتبر مهرجان القراءة للجميع الذي تنظمه وزارة الثقافة الأردنية برعاية سامية من الملكة رانيا العبدالله، خطوة حضارية رائدة ومتقدمة، تدل على وعي القائمين عليه، وإدراكهم لأهمية الكتاب في رقي الأمم والشعوب، وأنَّ القراءة هي إحدى أسباب التقدم وعلاماته، وبغير الكتاب لا يمكن أن تتقدم الأمم أو أن ترتقي في سلَّم الحضارة، ومنافسة الدول الأخرى في شتى الميادين والمجالات.
ويأتي دعم وزارة الثقافة للكتاب وتوفيره بأسعار تشجيعية لا تذكر وفي مقدور الجميع، كتأسيس لثقافة القراءة والمطالعة والتمسك بالكتاب، وأنَّه وعاء للعلم والمعرفة، لا يمكن أن تغني عنه الفضائيات والتلفزيونات وشبكة الإنترنت أو غيرها من أوعية المعلومات، فالكتاب كان وما زال وسيبقى الركيزة الأساسية للعلم والمعرفة، ومنبع الحضارة، وأساس كل تقدم وتطور.
إنَّ خطوة وزارة الثقافة في تنظيم مهرجان القراءة للجميع تستحق الإشادة والثناء، بغض النظر عن أية سلبيات أو آراء، فالفكرة محل ترحيب وتقدير من الجميع على اختلاف مشاربهم، ولكن آلية اختيار العناوين وطريقة التنفيذ قد تجد بعض النقد والاختلاف كأي عمل بشري لن يحظى برضى وتأييد الجميع. وهذه السلبيات لا تقلل من أهمية الحدث وأثره الكبير وغايته المرجوة، ويمكن تجاوزها بعد الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، والأخذ بالاقتراحات من المهتمين.
إنَّ الأمم المتقدمة تتباهى بما تطبع من كتب وتوزع من نسخ، وبما لديها من ثروة وطنية تتمثل في الكتاب والمفكرين، فهؤلاء هم ثروتها الحقيقية التي لا يمكن أن تستغني عنها، أو تستوردها من الخارج، ومكانة الكتاب والمفكرين في أية دولة تعطي رؤية صادقة عن مكانة هذه الدولة مقارنة بالدول الأخرى. وعندما تكون أهمية الكتاب عند الأسرة لا تقل عن أهمية الطعام والشراب، وله الأولوية على كثير من الأمور مثل التفلزيون والإنترنت والكماليات الأخرى، ندرك أنَّ هذه الأسرة، أسرة مثقفة، تؤمن بالكتاب وأثره التنويري، وضرورته التي لا ينكرها إلا جاهل أو سفيه.
الأمم الراقية تفتخر بما تقتنيه من كتب في مكتباتها العامة وفي مكتبات البيوت ومكتبات المدارس والجامعات، وتتباهى بعدد الكتب المستعارة، وعدد المستعيرين، وتعمل بكل الوسائل الممكنة لتشجيع المطالعة واستعارة الكتب، وتنظم من أجل ذلك المهرجانات والمسابقات والندوات، لأنها تدرك أنَّ الكتاب هو سبيلها الأقوى في بقائها في ركب الدول المتقدمة، التي تمسك زمام المستقبل بكل ثقة واقتدار.
وللأسف أنَّ وزارة التربية والتعليم لم تلتفت إلى مهرجان القراءة للجميع، فلم تقم بتسويقه في مدارسها والإعلان عنه لطلبتها ومعلميها، ولم توعز إلى المدارس بضرورة شراء الكتب المتوافرة لرفد مكتباتها بباقة مختارة من الكتب المتنوعة بكلفة بسيطة جداً، وكان الأمل أن تسارع إلى ذلك كخطوة تكاملية مع خطوة وزارة الثقافة، بل والمفترض في وزارة التربية أن تخصص حصة أسبوعية للمطالعة في كل صف، للتأكيد على أهمية المطالعة وضرورتها، وترسيخها كقيمة وعادة عند الطلبة.
مهرجان القراءة للجميع، خطوة رائدة، تسجل لوزارة الثقافة، وهي خطوة حضارية متميزة، تؤسس لمستقبل واعد إنْ استمرت وتوبعت ودعمت بخطوات أخرى، وتؤصل لثقافة مجتمعية واعدة، وتبشر بفكر تنويري منفتح على الآخر.
كل الشكر لوزارة الثقافة، ولكل القائمين على مهرجان القراءة للجميع، على أمل أن يتوسع أكثر وأكثر، وأن يغطي عناوين أوسع، ومجالات أخرى!
mosa2x@yahoo.com