تقنية دخلت حياتنا الاجتماعية العامة والخاصة دون استئذان، شأنها في ذلك شأن جميع تقنيات العصر الحديث التي لا يمكن ضبطها ولا يمكن منعها ولا يمكن الاستغناء عنها. دخلت حياتنا بدافع فرضه التطور المتسارع لواقع المجتمعات المعاصرة، وأعتقد أن خيار الرفض والقبول لا نملكه ولا نستطيع امتلاكه، المشكلة أن ما تقدمه هذه التقنيات على اختلاف أنواعها غالباً ما تحمل الغش والخداع سواء الصورة أو فبركة الخبر أو فبركة حتى الصوت، شاهدنا وهْم الصورة واضحاً وجلياً عندما سُوّقت صورة الشهيد الفلسطيني محمد الدرة للرأي العام الأمريكي والعالمي على إنه طفل إسرائيلي قُتل على يد الفلسطينيين، وأعتقد أن الأمثلة كثيرة تلك التي تستخدم تقنيات العصر لخدمة مصالحها الخاصة وهي لعبة تجيد الدول المنتجة لها استخدامها وتدويرها وقلبها وتدويلها.
لكن ما لفت نظري هول ما يتناقله طلاب المدارس حول صور أو أفلام جنسية كاملة عبر البلوتوث الذي يتضمنه معظم الهواتف النقالة التي سُمح بدخولها إلى مدارسنا، والسماح يمكن أن يكون علنياً أو على طريقة غض النظر، هذا البلوتوث ينشر الفساد الأخلاقي بأبشع صوره، كذلك استوقفني بلوتوث يوزع بطريقة سريعة وينتشر كالنار في الهشيم، ويحظى بشعبية كبيرة من العامة، البلوتوث يحكي قصة شيخ جامع يتحدث عن الفساد المجتمعي وهو يصيب في طريقة عرضه لوسائل الفساد وآلية التعامل معها.
أعتقد أن الحديث عن الفساد وكشفه هو مهمة كل مواطن شريف وأنا شخصياً مع تحوّل المنبر الديني لاسيما الإسلامي إلى منبر علمي فكري إيماني لا يعيد ويكرر قصص دينية يسمعها شبابنا لمرات كثيرة ويحفظونها عن ظهر قلب دون الأخذ بمحتواها، لذلك نلاحظ معظم من يظهر من الجمع الخطابي ينسى أو يتناسى ما قيل ويعود إلى ممارساته التي يفتي لها إلى حد كبير من مبدأ المطاط، لكن ماذا لو تحولت المنابر الدينية إلى منابر فكرية تماهي الماضي من القصص الديني مع حاضر الواقع الذي نعيشه، أعتقد أن الأمر سيكون أفضل ألف مرة من تلقائية العبادة.
أعود إلى موضوع البلوتوث الخاص الذي يوزع الآن عبر الموبايلات حيث يظهر خطبة شيخ على منبر من يمعن النظر فيه يلاحظ أنها مصورة في مسجد لكن أين وكيف ؟ الأمر ضبابي حتى بالنسبة للباس الخطيب فيه لبس، وما أثار الاستغراب أن البلوتوث لا يوضح في الصورة إلا الشيخ ولا يبيّن جمهرة المصلين كما لا يبيّن ردة فعلهم، كما أن الشيخ يتحدث باللغة العربية الفصحى التي تموه لأي بلد ينتمي هذا الشيخ، أما الخطورة فتنبع من آلية الطرح وآلية انتشاره وكيفية تصويره أو نقله أو برمجته أو فبركته، أما الحسنة التي تم استشفافها فهي تعطش الغالبية إلى كشف الخطأ والمخطئين والدعوة للارتقاء بالبلد إلى مستوى شعار المرحلة "التطوير والتحديث"، على اعتبار أن وجود بعض الفاسدين يعرقل مسيرة التحديث والتطوير.
لكنْ، هناك فرق كبير بين النقد بقصد التجريح والهدم والنقد بقصد التصحيح والبناء.
إذاً، هناك خطر قادم عبر البلوتوث هذه التقنية بسيطة التداول عظيمة المفعول، وهذا الخطر لا ندري كيفية السيطرة عليه، علينا أن نسرع ونجد السبل إلى تحصين الجيل وحسن صناعته
خليل فائق القروم