ونحن على بعد أيام من العقد الثاني لهذا القرن فانه من الضروري إعادة تقيم أو تقويم مسيرة هذا البلد في الرعاية الصحية. لتصحيح ما اعتورها من مثالب ولتاكيد تلك الإنجازات الناجحة والعمل على تعزيزها. من المظاهر الإيجابية للمسيرة الصحية لهذا البلد هو الاستثمار الكبير في المجال الصحي الذي ساهم فيه القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام مما جعل الأردن في مقدمة دول المنطقة في ارتقاء مستويات الخدمة الصحية فهذا الكم من المستشفيات الحديثة واستخداماتها للتكنولوجيا الطبية خير شاهد على ما نقول . لكن في خضم هذا التقدم مازالت هناك شوائب كثيرة بحاجة إلى إعادة النظر فيها وعلاجها وقد سبق أن طرحنا عددا منها في ايجازات سابقة. نعيد التذكير ببعضها:
ü كل المستشفيات تعمل تحت مظلة قانون عمل بائس تم ترقيعه مؤخرا و أجريت له صيانة خفيفة كمن يجري صيانة بالأسمنت لمنزل من طين يتداعى بعد حين!!! والمطلوب قانون عمل خاص بالمؤسسات والمهن الطبية !!
ü الإحصاءات الطبية متناقضة هذا إن وجدت وهي مبعثرة \" وغثها اكثر من سمينها\" وإحصاءات الفواكه والخضار اكثر دقة منها!! فلا توجد جهة متخصصة لجمع وتمحيص وتحليل تلك البيانات مع أهميتها لصاحب القرار وللتخطيط الصحي إجمالا.!! كل يصرح برقم لا يؤيده رقم من الآخرين !! قمة الفوضى!!
ü نفق ما يسمى بالاعتمادية التي \" أصبحت موضة\" بدا يبتلع مستشفيات أخرى ويبدو أن لا مستشفى يمكن أن يفلت منه تماما \"كالثقوب السوداء في المجرات!!! هل يستطيع أحدا من \" العالمين\" أن يعلمنا ما فائدة هذا الورق المتطاير من نشاطات سطحية لا تمس الجوهر بشيء !! هل المطلوب التركيز على الورق أم تطوير العقل والمهارات التطبيقية !! هل لدى المريض أي علم بما يسمى بالاعتمادية أو حتى سال عنها أصلا ؟ أو يعرف ماهي !! بالقطع ما يهم المريض هو كفاءة الجهاز الطبي والفني و مستوى التكنولوجيا الطبية في هذا المستشفى أو ذاك!!! نحن لسنا ضد الاعتمادية إذا كانت قائمة على تأكيد وتعزيز كفاءة الطبيب والجهاز الفني أما أن تكون كل جهودنا وتعطيل الإدارات للاستماع لمحاضرات لا تفيد إلا العاطلين عن العمل أمرا لا تبرره النتائج الهزيلة لهذا الهباء والهدر وكثرة الأوراق المتطايرة هنا وهناك !!! نحن معجبون بالملف الطبي وهو منتفخ بالا رواق ولكن الأهم هو عقل وكفاءة الجهاز الطبي والفني في تخليص المريض من معاناته !!! فالمريض تهمه صحته ولا تعنيه مجلدات عن صحته !! !!
ü النفايات الطبية قمة المأساة في مستشفياتنا ويبدو أنها مشكلة الجميع إلا وزارتي الصحة والبيئة !!! يحضر مندوبي وزارتي الصحة والبيئة زرافات ووحدانا لتحاسب المستشفيات عن كيفية التصرف بتلك النفايات ونتساءل ما هي الحلول التي وضعتها تلك الوزارتين على مدى عقود للتعامل مع هذه المشكلة البيئية ؟؟؟
ü فوضى السياحة العلاجية تشكل أيضا أنموذجا غير حضاري لما شابها من مسلكيات إذ بالرغم من ارتفاع أو انخفاض وتيرة السياحة العلاجية فانه من الخطاء والخطر الاستراتيجي أن تبنى الاستراتيجيات والتخطيط الصحي على عوامل متغيرة لما تسببه من نتائج سلبية على اقتصاد الوطن!!.
ü ولا ننسى مشروع قانون المسائلة الطبية الذي نفخت فيه الروح مرة أخرى وفاق أو أفيق من غيبوبته واتخذ طريقه نحو مجلس الأمة حسبما أعلن ولكن كلنا دعاء أن لا يتعثر ويتوه في الأدراج ولا نعود نسمع به من زخم مشاريع القوانين المصطفة على طريق السادة ممثلي الأمة والتي بحاجة إلى إعادة جدولة أولويات بناء على مدي تأثيرها المباشر على حياة المواطن اليومية.
ü تطوير المهن الطبية ورفع سوية العاملين من خلال إجراء امتحانات كفاءة دورية للأطباء والمهن الطبية المساندة لحديثي التخرج وخلال العشر سنوات الأولى من تخرجهم لضمان تمتعهم بالخبرة التطبيقية للعلوم الطبية أمر في غاية الأهمية على أن تكون شهادة مزاولة المهنة على أساس اجتياز امتحان الكفاءة على أن يعاد هذا الامتحان لأكثر من مرة خلال العشر سنوات الأولى من التخرج الأكاديمي.
ü التامين الصحي للمواطنين ولجم جشع وشره شركات التامين التي تقضم من المواطن و مؤسسات الدولة والمستشفيات العامة والخاصة مما يتسبب في شفط جيوب المواطنين والمستشفيات لمنفعة فئة \" الاشين\" نرى أن يعطى الأولوية على اجندة الوزارة!!
ü تفعيل وتنشيط دور المجلس الصحي العالي أمر هام ومسؤولية وزارة الصحة تنشيطه وهو الذي يمنحها المظلة التشريعية والقانونية والمالية لخططها الصحية.. نتمنى لمعالي الوزير كل التو فيق وان تكون بصماته الإيجابية على الادارة الصحية خير شاهد له على مدى الأيام.
دكتور خضر مصطفى الصيفي
اختصاصي إدارة مستشفيات
Email :khader.saifi@yahoo.com