أيام مرت من شهر كانون الأول ، كانون الذي اعتدنا أن يكون فصل المطر والثلوج والبرد ، وبرغم وجود بعض البرد في ساعات الصباح سرعان ما تمحوه أشعة الشمس الدافئة فتنسينا أننا بدأنا أول الكانونيْن . فإن حاولنا أن نتجول بأنفسنا قليلاً في رحلة مواجهة للأسباب الحقيقية التي تجعلنا نعاني ما نعانيه ، فهل يا ترى سنقدر أن نغير شيئاً منها ؟؟؟
الاستسقاء ..هو ( طلب السقيا والمطر من الله تعالى ) استغاثة به من انحباسه عنا مما يهلك الزرع والضرع ، ويحمّل الناس ما لا طاقة لهم به من غلاء وفقر وفاقة وحاجة ، فنحمل همّاً على همّ ، ولا نجد ما نروي به فـلذات أكبادنا من الجفاف ، وتدني نسبة المزروعات .
ولكن ، كما لكل طلبٍ آدابٌ معينة تقوم بها ، هناك آداب للطلب من المولى عز وجل ، فأنت إن رغبت بطلب شيء أو معونة أو قرض من أحد ، تجدك تهيئ كل الأسباب والأعذار والحجج وتستعد نفسياً لبعض الخضوع والانكسار – لأن الطلب والحاجة فيها نوع من المذلة على العموم – إذاً ، أليس الله تعالى ، خالق الأكوان أولى بهذا الإعداد والخضوع والخشوع عندما نحتاج الطلب منه ؟؟
ألسنا مقصرين بحق إخواننا المسلمين ؟؟ ألسنا مقصرين بحق ديننا وربنا ؟؟ ألا نسكت عن كل ما لا يحق لنا السكوت عليه، كمن يمارس كتمان شهادة الحق ؟؟ كيف نعلم ونتغاضى ، اللهم إنني لا أستثني نفسي من التقصير ، ولا أرجوك إلا أن ترحمنا برحمتك فأنت العالم بحال كل واحد فينا ، وما يمكنه وما لا يمكنه فعله !!
كيف نقدر ألا نفكر إلا بصلصلة الدراهم ورنينها في جيوبنا ، ونستطيع النوم وفي بلادنا من يموت جوعاً وقهراً ووحدةً ؟؟ كيف باتت قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة ؟؟ كيف بات الدينار والدرهم ربنا وسيدنا وصنمنا الذي نعبده ؟؟ كيف نقدر أن نواجه ربنا عندما يسألنا : ماذا فعلتم لإخوتكم الجائعين العراة المنهكين الفقراء الأذلة الذين لا يجدون قوت يومهم ولا يداً حانية ترحمهم ولا تقيم أودهم بلا مأرب إلا رضى الله تعالى ورضوانه؟؟
ليتنا نتمكن من وقف الضرائب التي أهلكت كل دخلنا كبشر ، ونعود إلى ما أمرنا به ديننا الحنيف من زكاة وصدقات ، وصدقوني لن نحتاج بعدها إلى ضرائب باهظة لأن المشرّع العظيم يعلم ما قدّر للناس ، وهو وحده أدرى أن هذه الشريعة أكثر ملاءمة للطبيعة البشرية من كل سبل الرأسمالية والاشتراكية وكل الطرق الاقتصادية الغربية الفاشلة والتي لا تميل إلا لصالح جيوبها ضد إغراقنا في عبوديتها .
وعندما يؤدي الغني زكاة أمواله المستحقة للفقراء يعود المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً وإن تداعى منه عضو تداعى كله ، والخير يعم على الجميع ولا يبقى في المجتمع فقير ولا حاقد ولا كاره فصلاح الكل من صلاح الجزء.
و المسؤول عليه أن يؤدي دوره كمسؤول عن حياة ومعايش الناس ، فيعلم أن الله سيحاسبه على كل هفوة وعلى كل قرش وعن كل إساءة ، فيقوم بواجبه على أكمل وجه لأن الجميع راعٍ والجميع مسؤول عن رعيته ،
والأخ يشعر بأخيه ويساعده في ضيقه وتلتف الأسرة حول بعضها في السراء والضراء فيخجل ربنا تعالى – وهو الحيي الكريم - أن يتسابق عباده إلى مرضاته دون أن يعمّ عليهم خيره ورحمته وجوده ومطره.
كيف يمطرنا ونحن نغض الطرف عما يحدث بين ظهرانينا من مظاهر الفساد ونتغاضى عما يلوث شرف أرضنا الطاهرة ، ويجاهر ربنا بالمعصية علناً ، فلا نجد قانوناً يمنعهم ولا يردعهم بحجة حريات الإنسان والحرية الشخصية .. ترى ، ألم يكونوا يقولون : تنتهي حريتك عندما تبدأ حريات الآخرين ؟؟ لماذا نسمح أن يستشري مثل هذا الذنب في أردننا بعد أن خسف الله الأرض بقوم لوط في نفس أرضنا ، ألسنا ممن ترتدع أنفسهم عن عمل نفس الذنوب مرة تلو مرة ؟؟؟
أليس علينا أن نقدم بين يدي الله ما نثبت فيه حسن النوايا حتى نقدر أن نرفع يدينا له بحاجـتنا وتضرعنا ، دون أن نكلّ من السؤال ولا الطلب والرجاء ؟؟ ألا نخجل أن نرتكب من المعاصي ما يندى له الجبين ثم بكل بساطة نطلب منه أن يمدّنا برحمته وسقياه ؟؟ لماذا يفعل ذلك وهو الربّ الرّحيم ؟ ألا ننتظر غضبة تخسف بنا كما خسف بهم ما دمنا نسكت على ما يفعلون ، بل ونحميهم بحجة أنهم أبناء ذوات ؟؟ وهل دمّر الدنيا وما فيها إلا بطر بعض الأغنياء واستمرائهم لكل بدعة وأنهم يحلّون ما حرم الله ، بحجة التطور والمدنية وتقليد الغرب في تدمير شبابنا ، أمل مستقبلنا ؟؟
قال تعالى : \" اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً \" وهذا أهم ما علينا أن نفعله حتى يستجيب الله لنا ، وأن نتوقف عن ارتكاب كل ما من شأنه إثارة غضبه تعالى علينا ، وعسى أن يحاسب كل منا ضميره وقلبه حتى يتوب عنها ، وعسى الله تعالى أن يمطرنا برحمته سُقيا خير وأمان لا سُقيا عذابٍ ودمار.
ودمتم بكل الخير.
nasamat_n@yahoo.com