لا يزال أطفالنا يتعلمون في التراث المحكي والمقروء عن قصص الجدّات والأميرات الجميلات والفرسان والسّاحرة الشّريرة ، فيقومون بتنمية خيالهم المتعطش للإرواء بما يتيسر لهم من قصص قصيرة أو مما يسـمعونه منّا من حكايات ونوادر .
ونعلم - مما نقرأ لعلماء النفس - أهمية إثراء هذا الخيال في تكوين شخصية الطفل ، وسلامة بنيته العقلية والنفسية ، فالخيال يساعد الطفل النشط في التخيل على تفريغ شحناته العاطفية ضمن هذه القصص والخيالات ، وهي حالة فطرية سخرها لنا ربّ العزة لنتمكن من إطلاق ملكات دماغنا وتنشيط عمله مستقبلاً بحيث نوسّع آفاقنا ومداركنا ، فيكون خيالنا دافعاً قوياًً لدماغنا ليعمل ويبدع ويبتكر ويتصور كل جديد.
وعلينا ألا نحرم أطفالنا من هذه الخبرة الضرورية لنموهم العاطفيّ والفكريّ ، فنرفدهم ببعض القصص المصوّرة والحكايات الجميلة – وهناك الكثير منها بأسعار زهيدة – وعند الضرورة يمكن الاشتراك بإحدى المكتبات العامة المنتشرة بكثرة ، فهذا أمر مهم لهم جداً – تماماً كالطعام واللباس والعلاج ، لأنه يخص التكوين النفسيّ لهم ، إضافة لما يمكن للوالدين أن يفعلاه لأبنائهما بأنفسهما في هذا المجال . حيث يمكن أن يحكي الأب أو الأم قصة قبل النوم لصغارهما ، وخاصة في المرحلة العمرية بين ثلاثة سنوات وثمانية سنوات لأنها تكون مشبعة بالخيال والصّور الذهنية العديدة ، ومن خلال هذه القصص التي كنا نسمعها في صغرنا أو عرفناها خلال سنوات حياتنا ، والتي يمكننا اختراعها بأنفسنا لهم ، ويمكن من خلال هذه القصص إثراء المخزون الأخلاقي لدى الطفل ، فيمكن أن نعلّمه الصّدق أو الثقة أو الإخلاص والوفاء ، أو محبة الآخرين أو نغرس فيه الشجاعة وحسن الخلق لأن الطفل يُسقط ما يراه في خياله على حياته الواقعية ، كما يمكننا أن ننفـّره من بعض الصّفات والتصرفات ، وخاصة ما لا يعجبنا من سلوكياته خلال النهار باختراع قصّة له تحمل سلبيات هذه الصفة وتدريجياً يستقيم سلوكه .
قد تبدو هذه المرحلة غير هامة للبعض ولكنها حقاً تُهيّئ الطفلَ لأن يكون خياله خصباً ويتمتع بقدرات عالية من الابتكار والإبداع ، وإمكانية إيجاد حلول مبتكرة لما يتعرض له في حياته ، وقد تضعه في مكانة عالية بسبب تفوّق أفكاره على أقرانه ، فهناك مَنْ يدفع الكثير من أجل فكرةٍ لمّاعةٍ مبتكرةٍ ، وبالتالي يصبح في المستقبل مفكراً مبدعاً !!
ومن المفيد جداً إشراك الطفل في بعض هذه الحكايا ، كأن نترك له المجال ليغيّر سير القصة ، أو يتخيل أنه أحد أبطالها ، ويشارك في أحداثها فهذا ينمّي فيه القدرة على أخذ القرار السليم والتعلم من الأخطاء ( ضمن أحداث القصة ) وربما يمكنه إشراك بعض الدمى كأبطال للقصة ..
أيها الوالدان الكريمان ، متعة دمج طفلك في قصّة من خيالك أو خياله أو سرد قصة تعرفها ، له متعة كبيرة وفائدة أكبر لطفلك ، فدعه يتمتع ويستفيد ، ولنتذكر .. \" العلم في الصّغر كالنقش في الحجر \" فما يعلق في عقل طفلك الصغير من قصص لن ينساها أبداً وسترسم طريق حياته القادمة !!
nasamat_n@yahoo.com