محمد حسن العمري
-1-
تنشط هذه الايام هيئة مكافحة الفساد الأردنية على أعلى المستويات ، وبتوصيات من جهات عليا ، في خطوة لا بد يباركها الأردنيون ، ولكن ثمة الكثير مما يمكن أن يقال في هذا السياق ، إذا أريد لهذا العمل ان يكون فاعلا..!
فلا يجب بالهيئة أن تعتبر ان المواطن الأردني هو محامي او مراقب قانوني او مالي او إداري ، فأكثر قضايا الفساد التي نعيشها يوميا لا يمكن ان يصل فيها المواطن العادي إلى تقديم استدعاء إلى مكافحة الفساد ، فالقضايا أكثرها تحبك على نحو فريد ، ويخاف المواطن ان يكون ممن يسببون ازعاجا للقانون او على اقل تقدير ممن \" يقذفون المحصنات الغافلات\" ربات الحجال وأرباب الفساد..!
-2-
في الحصول على تخمين مباني لغايات الضرائب ، صادفني وصادف الكثير ، عنصر غريب يخرج من بين يديك في دائرة رسمية يعرض عليك رقم هاتفه ، ولا داعي لان تدفع دائما يكفي ان تدفع مرة واحدة ، كيف وصل هذا العنصر الى دائرة رسمية وطنية ومن سّهل له ذلك ، لا يمكن لاي مواطن ان يمتلك دليلا لتقديم شكوى لمكافحة الفساد مادام هذا الشخص كالغاز يتطاير حال تقديم شكوى ، ما الذي يجعل ضرائب بيت في قلب عمّان تساوي ضرائب عشرة أضعاف جاره بنفس المكان والمساحة وتاريخ البناء ، كيف يمكن لمواطن لا يمتلك شيئا ، بقي ربما خمس سنوات يبحث عن وظيفة ثم يأتي عنصر على حصان طروادي يختطف وظيفته في الوقت الذي توقع ان يطالها هو ، ما هو دليل الفساد الذي يمكن ان يقدمه المواطن العادي على فساد نوعي بهذا الحجم ، كيف ادفع شخصيا جمارك على عشرة قطع هدايا \" اشمغة \" غطاء راس رجالي عبر المطار الوطني ، واعرف من استطاع ان يدخل بشاشة بلازما دون جمارك ، ما هو الدليل الذي من الممكن ان احمله ويحمله غيري إلى هيئة مكافحة الفساد ، كيف لطالب عمره 18 سنة ان يقدم دليلا ماديا على بعثة دراسية انتزعها منافس له ، في غياهب الأسس التي لا يعلم عنها احد ، ولا يمتلك وعي طالب بهذا العمر معلومات وافية عن حقه الذي كفله القانون وكارثة تحطم مستقبله كله لم يكن يعرف ذات يوم انه كان يمتلك حقا كفله القانون، من اين لمواطن مزارع في قرية نائية جنوبا وشمالا ان يقدم دليلا لمكافحة الفساد عن ما تمارسه البلديات المنتخبة من فتح شوارع وامتيازات عمرانية تخدم فلانا ولا تخدم فلانا ، التجارب اليومية فوق حجم المواطن لكنها بالتأكيد ليست فوق حجم هيئة مكافحة الفساد التي تنتظر شكاوى الأفراد للتحقيق في الفساد..!
-3-
يجب ان تعرف الهيئة التي لا نشك بجديتها في مكافحة الفساد ، انه ليس من الضرورة ان الفساد الذي هو موجود بكل مكان سواء في الأردن او غيرها ، يتم اصطياده ومكافحته عبر شكاوى الأفراد ، للسبب الاهم وهو ان الدليل المادي لا يمتلكه مواطن بسيط يتعرض لفساد منظم ، وكذلك فرغبة او خوف المواطن بذلك يختلف من فرد الى أخر سواء قبل بالفساد او لم يقبل..!
اذكر تجربة خاضها بعض الزملاء الأصدقاء ، في وزارة الصحة قبل نحو 15 عاما ، حيث كان هناك موظفان يتقاضيان رشاوى مباشرة وصريحة عند ترخيص اي منشأة صحية ، وكان من الذين تعرضوا لذلك قد قدم شكوى مباشرة فيهما ، واستطاعت مكافحة الفساد ان تصاد احدهما وأودع السجن فيما فشلت في اصطياد الأخر الذي ترقى بعد ذلك بل وأصبح عضوا منتخبا في إحدى النقابات المهنية المحترمة..!
اذا كانت هيئة سابقة لمكافحة الفساد لم تمتلك ادلة كافية لاصطياد فساد بواح ، فمن غير الممكن ا ن اي مواطن - مع اختلاف رؤى المواطنين بهذا الشأن – ان يمتلك الجرأة لتقديم شكوى ربما يتعرض للمساءلة إذا كانت أركان الادعاء المقدم من طرفه غير مكتملة..!
-4-
نسمع الكثير عن تقدم الأردن في مكافحة الفساد ، بالطبع مقارنة مع دول جوار عربية ضالعة وغارقة في الفساد افقيا وعموديا ، وهذا يعكس توجه ايجابي فعلا في مكافحة الفساد ، لكن الفساد اليومي الذي يمتد الى مؤسسات كبيرة يعيشه المواطن ولا يمتلك الأدلة الكافية عليه ، يجب ان يكون منوطا بالكامل في الهيئات المعنية ، وهي قادرة بحرفيتها على ان تقدم الادلة الكاملة على الفساد الذي ليس بالغريب ان نقول انه واضح للجميع ، لكن على نحو لا يمتلك المواطنون فيه إلا الحديث فيما بينهم و ليس ابعد من ذلك..!