كان معظمنا مدركا منذ ما قبل أوسلو بأن حالة السلام المقترحة على الشرق الأوسط بشكل عام وعلى منظمة التحرير الفلسطينية بشكل خاص ما هو إلا كابوس غامض يجب أن نمارسه مع أننا لن نناله بتفاصيله الكاملة ، فالحكومات المتعاقبة على الكيان الصهيوني تتناوب إدامة الضبابية بهذا الكابوس بعد فرض وجوده على المنطقة مع المحافظة على وتيرة هادئة في منهجية نزع التنازلات العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص حتى بات التركيز منصبا الآن على إدامة المفاوضات وليس على ما هو وراء المفاوضات من نتائج مفترضة.
في المرحلة السابقة لأوسلو انعدمت الخيارات الأخرى أمام منظمة التحرير حيث حافظت بصعوبة على التمركز السياسي المتناقض بين مراكزه ومنابره والمقيد في دول الطوق مع تشتت خياراتها العسكرية المنهكة وخاصة بعد اجتياح 1982 وأحداث التصفيات والانشقاقات المدعومة من سوريا عام 1983 ، مما خلق حالة تشتيت لهيكل المنظمة التي تموضعت سياسيا في تونس والجزائر والأردن حتى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الباسلة والتي تأتي ذكراها السنوية الأثنى والعشرون هذا الأيام والتي أعطت دفعة من الدماء للكيان الفلسطيني المشتت وجمعته في هدف واحد هو المحافظة على الكيان الفلسطيني برموزه المنظمة والختيار .
وبعد المضي في (أوسلو) واستدراج وجلب المنظمة إلى حظيرة ( البقرة الصفراء ) بدأت مراكز القوة الصهيونية بالعمل على تفريغ هذا الكيان من عناصره الوطنية وتصفيتهم لتمارس من ضمن خطتها المدروسة بإحكام والمتقاسم أدوارها بين أحزاب الكيان المتناوبة على السلطة في الكيان الصهيوني وذلك بمحاولة فصل ارتباط المنظمة بالصراع العربي الصهيوني بتوصيفها وتسويقها كحجر عثرة أمام السلام والتطبيع العربي الصهيوني.
كما عملت مراكز الفكر الصهيوني والأمريكي على محاولة إذابة للكيان الفلسطيني العام وتشويهه وإضعافه وجعل (الفلسطينية)مجرد حالة اجتماعية اقتصادية تتوزع في مناطق جغرافية عديدة غير مرتبطة بكيان سياسي وطني واحد، حيث يتم تسويق الحل للصراع العربي الصهيوني بإيجاد صيغة مشتركة للعيش مع المحيط العربي المجاور مع مراعاة حقوق الأقليات ( وهم الشعب الفلسطيني المقيم في فلسطين حسب وجهة النظر الصهيونية ).
كذلك تساهم إيران أيضا وبعض الدول العربية المرتبطة بالمشروع الفارسي في إضعاف الكيان الفلسطيني من خلال إيجاد أكثر من رأس لهذا الكيان والضغط والعمل على تصفية منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية في رام الله ومؤسساتها الشرعية في فلسطين وخارجها وذلك بدعم الحركات الانقلابية ذات الارتباط ألمصالحي مع المشروع الفارسي المعد للمنطقة ، حيث تلتقي أهداف إيران والكيان الصهيوني في خطة إضعاف المشروع العربي المأمول وذلك لتقاسم ثروات المنطقة وحضارتها بأدوار متفاهم عليها منذ ما قبل فضيحة إيران غيت في عهد الخميني الذي زودته ( إسرائيل ) بالسلاح لمحاربة العراق .
إن حل السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله والمطروح حاليا بحسن نية أو بسوء نية من بعض الأطراف.. هو بداية انهيار هذا الكيان الفلسطيني الضخم معنويا والضعيف ككينونة ، ومن الخطأ الكبير التفكير بذلك الآن خاصة وأن السلطة الفلسطينية تشعر بحالة عجز وإحباط بعد التعجيز المبرمج لها بفعل ما سبق من مؤامرات وتصفيات وحروب خاطفة ومؤامرات داخلية أيضا حيث إن ملفات الفساد التي تحيط ببعض رموزه تسارع في عملية الإنهاك المبرمج لهذا الكيان حيث لا ننكر أن عملية الإفساد المنهجي التي أحاطت ببعض رموز السلطة هي عملية إسرائيلية تميزت بالدهاء في استخدامها للأوقات (الحميمة )مع السلطة في بداية مشروع السلام لاصطياد بعض أفرادها بعد ذلك .
إن المطلوب من السلطة الفلسطينية هو البقاء والصمود وإدامة الصراع على حق العودة وإعلان الدولة المستقلة من طرف واحد ودون انتظار الوسيط الأمريكي بخرائطه التي لن تـأتي والعمل على سياسة فرض الأمر الواقع على ارض السلطة في الضفة للوصول إلى الحدود المنشودة بما فيها القدس الشريف مع تحمل مسئولية الصمود وحماية الشعب بكل معانيه بعد تنظيف البيت من الداخل من الفاسدين والمرتبطين مع المشاريع الإقليمية الأخرى.
ملاحظة - تعريف الكيان الفلسطيني (هو فلسطين العربية من النهر للبحر وفلسطينية الشعب بملاينه الأثنى عشر).
جرير خلف