تمر الأيام، والساعات، والدقائق كلمح البصر. تتسارع الخطى، تلهث وراء حطام وفتات. ينشغل البال، والفكر في ملفات كثيرة متراكمة،منها مايحتاج لمعالجة آنية سريعة، ومنها مايبقى عالقا في قائمة إنتظار طويلة ريثما يلوح في الآفق أمل. في خضم دورة الحياة الرهيبة هذه، نتوه أحياناً، ونصبح غير قادرين حتى على التفكير في أنفسنا أحياناً أخرى. رسالتي لك أيها القاريء العزيز -وانت تدور في دائرة الحياة طوعا أو كرها - وبعد هذا كله ،تتلخص في كلمتين إثنتين\" المهم أنت\".
نعم \" المهم انت\" ، تظلم نفسك بمقارنتها مع الآخرين متناسيا ان لكل واحد فينا كيانه الخاص به، وميزاته ،وسماته الشخصية التي لا تشبه احدا، وليس بالضرورة أن تكون كذلك. فيك ميزة تختلف عن الآخرين. أبحث عنها، وعززها، وقوها، سترى الفرق، وستكتسف انك متميز بصفة ما. قد لاتكون متميزا في الدراسة، ولكنك ناجح إجتماعيا، او إقتصاديا. قد لاتكون لاهذا ولا ذاك، ولكنك مؤمن عابدٌ، مطيع، تعطي الخير، وتكف الشر، وهذا قمة العطاء برأيي. قد تتميز بلطفك، ودماثة أخلاقك، وحبك للأخرين.
\"المهم أنت\" لديك شيء افتقده انا، ولدي شي تفتقده انت، هكذا هي الدنيا، ميزان عدل لايخطيء. كم غني حُرِم نعمة الصحة، وكم من عالم حُرِم الأدب. تأكد أن كل محنةٍ بها منحة، فقد تصاب بالمرض لتنجو اليوم من حادث، وقد يحرمك ربي من المال لكي لاتعصيه، وقد يكتب لك معدلا متدنيا حتى تدرس في جامعة قريبة من أهلك لانك لاتقوى على البعد، ولست مؤهلا له. تاكد ان هناك عينا ترعاك، تنظر اليك، تحبك، وتذكر دائما \"المهم أنت\".
رحلتك في الحياة تشبه رحلة الطائرة، تبدأ بنقطة، وتنتهي حتما بنقطة، وثمة عواصف، ورياح، ومطبات هوائية بين النقطتين تجبرك على الارتفاع أو الهبوط لتتكيف مع مسار الرحلة، ولتصل لمرادك بسلام. بعد هذا كله، \"المهم انت\"، فنقطة البداية، والنهاية، ومسار رحلة العمر، وتكيفك مع كل مايعتري مسيرتك من صعوبات، وجدت من أجلك نعم من أجلك، \"فالمهم انت\".
أنظر إلى نفسك، إختبر نقاط قوتها، وعززها. راجع مواطن ضعفك، وإعترف بها لنفسك، وضع خطة لتجاوزها، وكن كبذرة شجرة الخيزران التي تزرعها اليوم، وترى اول نبت لها بعد عدة سنوات. لاتستعجل الأمور، وكن صبوراً، وكن على ثقة ان التغيير يبدأ بك، نعم بك. لاتنتظر أن يتغيير الأخرون من حولك لتتغير أنت، لن يحدث هذا أبدا. تذكر \"المهم انت\" أبدأ بنفسك، غَيّرها، حتما سيتغير العالم من حولك.
تكمن قوتك في معرفتك لذاتك وقدراتك، وكن واثقاً أن ثمة شيء متميز فيك، حتى عندما يصفك الأخرون بأنك عديم الفائدة، ولاتقدم نفعا اليوم، تذكر قصة البدوية التي دأبت على حمل دلوين من الماء احدهما مثقوب، وفكرت مراراً وتكراراً بتغييره، ولكنها تراجعت بعدما رأت زهوراً جميلة تنبت على طول الطريق بفعل المياه المتساقطة من الدلو المثقوب. نعم تذكر ان لكل شيء فائدة، وإلا لما وُجِد، ولكن نحتاج نحن لتوظيف الاشياء من حولنا بشكلها الصحيح حتى نرى الفائدة. \"المهم انت\" انا متأكد وواثقٌ بأن فيك شيٌ مميزٌ يمكنك تقديمه. لاتتردد، قدمه اليوم، أفضل من الغد \"فالمهم انت\".
تخيل كيف ستكون الحياة ونحن نرفع شعار\"المهم انت\". تخيل معلماً يتأخر ساعة بعد الدوام ليساعد طالبا في دروسه، ثم يجيب على سؤال الطالب: معلمي لماذ تاخرت كل هذا الوقت معي اليوم؟ قائلاً: تاخرت عن بيتي وأسرتي لأن\"المهم انت\". ماذا لو فعلها الشرطي، والطبيب، والمهندس، والسائق، والنائب، والوزير، والصحفي، والكاتب، والنجار..وغيرهم؟ تخيلوا كيف ستصبح الحياة جميلة، فيها إيثارٌ، وإنكار للذات ،وتكريم لبعضنا البعض.
إذا رفعت شعار\" المهم انت\" مع نفسك ،تذكر ان تخصص ساعة وفاء في اليوم، أو الاسبوع، في الشهر، أوفي السنة. زر معلما درسك، أو طبيبا عالجك. زر ضابطاً دربك، أو شخصاً ساعدك. زر صديقاً نصحك، او ساندك في يوم شدة. عَبِّر لهولاء جميعا عن عظيم شكرك، وإمتنانك. إشرح لهم كم انت سعيد بما فعلوه لك. كن شكوراً، ولا تكن جحودا. تذكر أيضاً انك تملك نعم كثيرة، يكافح من أجلها الآخرون. زر مرضى لتتذكر الصحة التي تنعم بها. زر أسرى، وسجناء لتعرف معنى الحرية. زر فقراء لتتذكر أنك غني. تنقل بالمواصلات والباصات لتعرف نعمة إمتلاك سيارة. زر فقيرا في الشتاء، لتتذكر نعمة الدفء.
تذكر دائماً، في حلك وترحالك، في صحتك وسقمك، في غناك وفقرك. تذكر عند النصر أو الهزيمة، عند الفرح أو الترح...ان ترفع دائما وأبدا شعار\" المهم انت\" في وجه كل من تراه ،ثم صف لي شعورك وشعور من تقابل. انه حقاً شعور جميل، ورائع، و\"مُجَرَب.\"
د.نعيم فرحان المومني- مستشار اكاديمي وباحث تربوي- الامارات العربية المتحدة.