تزامن الحدث الفريد من نوعه والذي تمثل بالعثور على بقايا اقدم خبز في التاريخ في موقع أثري شمال شرق الاردن، تم إعداده قبل ما يزيد عن 14 الف عام، مع مناقشة مجلس النواب للبيان الوزاري الذي قدمته حكومة الدكتور عمر الرزاز لنيل ثقة المجلس، وبالرغم من الفارق الزماني بين الحدثين، الا ان لاستحضارهما معاً في نفس المقام دلالات عظيمة، تضع العابثين بمصير هذا الوطن في دائرة الضوء، إن لم يكن في بؤرته.
شخصياً، لا أؤمن بالصدف، وأكاد اجزم ان تزامن الحدثين ما هو الا لفت نظر وتذكير من التاريخ والجغرافيا، بأن ما يجري تحت قبة البرلمان وخارجها، لا يليق بهذا الجزء من العالم، ولا يرتقي لطموح من مرّوا من هنا وتركوا أثراً، لا بل يصل الى مستوى الجريمة بحق هذا الجيل، وفي الوقت ذاته، يرسل إشارات الى ذوي العقول بأن هذه السنوات المعدودة قياساً الى الخط الزمني الضارب في القدم، ستمضي وسيمضي معها كل الأفاقين الى الدرك الاسفل من التاريخ.
وبالعودة الى قبة البرلمان، وما يدور تحتها من المظاهر التي تدعو للإحباط، وكيف انتقل بنا الحال من منارة للحضارات، الى دولة تطلب فيها حكومة تم تعيينها، الثقة من مجلس نواب تم انتخابه على اسس مشوهة، وكلاهما –اي الحكومة والنواب- يقتاتان على فتات القرارات التي تتخذها الدولة العميقة، التي اضحت في صراع مع ذاتها ومع محيطها على سيادتها وأمنها، بعد ان تنازلت "اختيارياً" عن كل مقدراتها.
ليس المؤسف هو ما يجري تحت قبة البرلمان، او ما يدور خلف الكواليس، بل المؤسف ان هذه المجموعة البائسة تتصدر المشهد، وتقرر مصير البلاد والعباد، فالديمقراطية غدت صندوق انتخابات، والدستور يتم انتهاكه صباح مساء، وعُهد للجيش بأدوار لا تمت لعقيدته بصلة، وتقزّمت مهمة المخابرات العامة من المحافظة على مكانتنا الاستراتيجية ودورنا الجيوسياسي، الى إدارة المشهد الداخلي وبإخراج رديء، اما مؤسسات الدولة فهي أهرام من الفساد المتراكم التي يستعصي ترويضها، ناهيك عن المشاريع التي تُفرض "من فوق" مطلع كل صباح.
الى من صنع الخبز فوق هذه الارض قبل 14 الف عام، الى من رسموا ملامح الوطن وسلموه لنا أمانة في اعناقنا، الى من نفذوا الى التاريخ عبر بوابة الاردن، الى من صنعوا امجاداً عظيمة، الى من سطروا بدمائهم وعرقهم ملاحم بطولية فوق هذا الثرى، الى كل هؤلاء نقول، سامحونا .. فنحن لم نكن على قدر المسؤولية، ويا كاتب التاريخ، نرجوك ان تتجاوز عن هذه الحقبة دون ان تكتبها.