لا يمكن لأي عاقل أن يصدق أن أمريكا عاجزة عن إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان في القدس والضفة الغربية, وهو الشرط الخجول للسلطة الفلسطينية الذي يحفظ لها بعض الهيبة كي تقدم على استئناف المفاوضات المباشرة, تلك المفاوضات التي لم تحقق شيئاً منذ اتفاقيات أوسلو, فهذا العجز وهذا الفشل الذي تتحدث عنه أمريكا كلام فارغ وحجج واهية, يجب أن لا تنطلي على أحد, لأن التاريخ ما زال ماثلاً أمامنا وليس ببعيد, فأمريكا عندما توفرت لديها الرغبة في السعي الجاد لإنجاح اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل, فرضت وأجبرت الحكومات الإسرائيلية على إخلاء المستوطنات كلها من سيناء, وهناك العديد من الأمثلة التي أجبرت فيها الإدارة الأمريكية إسرائيل على تنفيذ ما تريده واشنطن.
إذن الإدارة الأمريكية تراوغ إن قالت إنها فشلت, وعلى العرب والفلسطينيون أن يدركوا أن أمريكا هي التي لا تريد السلام في المنطقة, ولا تريد الاستقرار والأمن لنا, ولا عودة القدس وقيام الدولة الفلسطينية, ونظرة على إحدى الوثائق السرية التي نشرها موقع \"ويكيليكس\" الإلكتروني والخاصة باحتلال العراق, كفيلة لتأكيد مدى التوافق الأمريكي والصهيوني والغربي في نظرتهم للشعوب العربية وبالذات القضية الفلسطينية, الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أن الدور الأمريكي في المنطقة يستهدف الأمة العربية وقضيتها ويعمل على تمزيقها وإضعافها وبث الخلافات بينها وإبقائها غارقة في الضعف والتخلف والعجز ضماناً لاستمرار تفوق إسرائيل وتمكينها من الثبات على احتلال فلسطين وتهويدها تلبيةً للرغبات اليهودية والصهيونية.
وفي ظل هذه الحقائق التي أصبحت واضحة وجلية, وفي ظل هذا الموقف الأمريكي الأكثر وضوحاً في دعمه ومحاباته للدولة الصهيونية.. ماذا على العرب والفلسطينيون أن يفعلوا للخلاص من هذه الإسرائيل المزعومة والرابضة على قلوبهم منذ أكثر من ستين عاماً وبدعم أمريكي غربي متفق عليه..؟!
وأمام هذه الحقائق, فإن على العرب أن يعترفوا أنهم أخطئوا عندما تخلوا عن قضية فلسطين ومأساتها وحملوها بيدين مرتجفتين وطاروا بها إلى العالم, مرة إلى واشنطن وتارة إلى أوروبا, وأخرى إلى عدم الانحياز, وهاهي الأيام تثبت أن الغير لن يساعدنا على حل قضيتنا, فأصبح من غير المعقول أن نبقى نلوذ بالصمت والعجز, ونحن نملك إمكانيات هائلة يمكن أن نوظفها ونستغلها, ليس فقط لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه المغتصبة بل لوضع حد لهذه المهزلة وإرغام المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا لوقف ألاعيبه وعدائه للأمة العربية.
نعم, على العرب والسلطة الفلسطينية أن يفيقوا من سباتهم وأن يمسكوا القضية بأيديهم ويعالجوها بأنفسهم وعليهم إيجاد الحل الذي يتفق مع قيمهم وتراثهم وتاريخهم ويحفظ هيبتهم وكرامتهم, وعليهم أن يعلموا أن لا فائدة من العمل السياسي والدبلوماسي الخارجي ما دمنا نتعامل مع قضيتنا بالتخلي عنها, وما دمنا غير قادرين على خلق وضع متوازن وقوي ومؤثر على أرض الصراع, وعليهم أن يعيدوا القضية إلى ساحتها الحقيقية, نفديها بدمائنا ونرفدها بأرواحنا, لتبقى حية وليبقى العالم يشعر أن لا مكانة لمغتصب غريب بيننا.. لأن الحق والمنطق يقولان أن الوجود المعنوي والحقيقي هو أن نكون على أرض الصراع أقوياء بأنفسنا وبحقنا الذي وجب علينا أن نحميه بقوتنا الذاتية النابعة من أصالتنا لا من طبولنا ولا من مزاميرنا وضجيج أصواتنا.
نعم, على العرب أن يدركوا – وإنني أشك في أنهم لا يدركون – إن أمريكا هي الخصم وما إسرائيل إلا جزء منها ورأس حربتها في منطقتنا, فكيف إذن ننتظر من الخصم أن يكون وسيطاً عادلاً وراعياً أميناً لعملية السلام, ويساعدنا في استعادة حقوقنا المسلوبة.. وصدق قول الشاعر الذي يصور واقع العرب وهم يطلبون العدل من خصومهم لا من أنفسهم حين قال:
يا أمة لخصومٍ ضـدها احتكمـت كيف ارتضيتِ خصيمـاً ظالماً حكما
بالمدفع استشهدي إن كنتِ ناطقةً أو رمتِ أن تُسمعي من يشتكي صمما
لا تطلبي من يـد الجبار مرحمةً بـل ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدمـا
نعم, آن الأوان أن ندرك ونعترف أن ما يسمى بـ \"مفاوضات السلام\" هي \"أكذب من لمعان السراب ومن سحاب تموز\".
Email: moeenalmarashdeh@yahoo.com