زاد الاردن الاخباري -
ارتدى قناعاً يغطي وجهه متشبها بأمرأة، أشهر سلاحه في وجه مجموعة موظفين طالبا منهم إفراغ النقود التي بحوزتهم في حقيبة سلمهم إياها، مهددا بإطلاق النار باتجاه أي شخص يقوم بحركة مباغته... مشهد «هوليودي» كثيرا ما تابعناه في أفلام «الآكشن»، لكنه تكرر بصورة واقعية 21 مرة في العاصمة عمان ومدن أردنية أخرى خلال الشهور السابعة الماضية.
بين الذهول وعدم التصديق تارة والتشكيك تارة اخرى واجه غالبية الأردنيين الأخبار المتواترة عن تنفيذ عمليات سطو مسلح في مراكز مالية وتجارية متنوعة كان أبرزها على فروع سبعة بنوك ،سته منها في العاصمة عمان وواحد في مدينة إربد، تلك الأخبار كانت صادمة وغير مألوفة، واجهها الأردنيون في البداية بالسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
منذ منتصف العام الماضي شهد الأردن 21 جريمة سطو مسلح على بنوك ومحطات وقود وصيدليات ومراكز طبية ومحلات تجارية، بالإضافة لعملية واحدة ضد مؤسسة حكومية هي مركز للبريد في منطقة الضليل ، وهي عمليات تتابعت في الأشهر الاربعة الاولى من العام الجاري ثم توقفت في الأشهر الثلاثة الماضية قبل أن تعود للواجهة قبل ايام وكان آخرها يوم أمس مع تنفيذ أحدهم لسطو على بنك في مدينة إربد.
القيَ القبض على منفذي كل عمليات السطو على البنوك باستثناء تلك التي وقعت على بنك في منطقة الوحدات في عمان، حيث ما زال البحث جارياً عن منفذ تلك العملية الذي تمكن تحت تهديد السلاح من سرقة نحو 95 ألف دينار.
تواتر عمليات السطو أصبح مصدر قلق للأجهزة الأمنية والحكومية؛ ما دفع وزير الداخلية سمير المبيضين للحديث بأن حالات السطو على البنوك والمصارف تضر بمعنويات الدولة وتثير القلق، وهو ما يمكن اعتباره اعترافا ضمنيا أن هذه الجريمة أصبحت ظاهرة.
تصريح المبيضين جاء بعد تشكيل «خلية إدارة أزمة» لبحث الإجراءات الواجبة لمنع عمليات السطو شارك فيها ممثلون عن البنك المركزي والأجهزة الأمنية وجمعية البنوك، وصدر عنها تعليمات تلزم البنوك بوضع أجهزة إنذار ضد السرقة وكاميرات مراقبة ترتبط مع مركز القيادة والسيطرة في مديرية الأمن العام، إضافة إلى تركيب أبواب أمنية الكترونية على مداخل الفروع، وتأمين حراسة على جميع الفروع طيلة فترة دوامها.
صفحات مواقع التواصل الاجتماعي غصت بالتعليقات المتعاطفة مع منفذي عمليات السطو احيانا، واعتبرت أن ظهور هذا النمط الإجرامي نتاجا متوقعا للسياسات الضريبية والاقتصادية التي أجبرت الشباب على انحراف السلوك، بعد جملة من القرارات الحكومية السابقة التي تضمنت رفع أسعار شريحة كبيرة من المواد الأساسية والاستهلاكية.
إحصائيا لا يمكن تتبع الخط البياني لنمو جرائم السطو المسلح في المملكة، لقلة عددها سابقا، ولعدم إفراد بند خاص للإحصاءات المتعلقة بها في التقرير الإحصائي الجنائي الذي تصدره مديرية الأمن العام دورياً، حيث يجملها التقرير ضمن بند جرائم السرقة الجنائية والتي بلغت العام الماضي 3712 جريمة.
ظاهرة السطو المسلح على البنوك بدأت منتصف شهر كانون الثاني الماضي باستهداف أحد البنوك التجارية في منطقة عبدون بعمان، وألقي القبض على منفذها بعد ساعات في منزله ومعه كامل المبلغ المسلوب الذي تجاوز 70 الف دينار تقريبا ، تبع هذه العملية وبعد أقل من 48 ساعة السطو على بنك في منطقة الوحدات، ما زال مرتكبها طليقا.
غالبية العمليات انحسرت في الفترة الزمنية ما بين 15/1/2018 الى 8/2/2018، حيث شهد هذان الإسبوعان خمسة عشر عملية من مجموع العمليات التي وقعت هذا العام.
تتابعت عمليات السطو المسلح بسرعة مريبة لتشمل بنوكا جديدة ومكاتب للبريد وأخيرا صيدليات ومحطات محروقات، بشكل أعاد إلى أذهان الأردنيين عملية سطو شهيرة حدثت عام 1970 حيث تعرضت سيارة تحمل ودائع لبنك شمال المملكة إلى سطو مسلح وتمت سرقة مبلغ 75 ألف دينار ،وبقيت لسنوات طويلة توصف بأنها أكبر عملية سطو في تاريخ الاردن.
عمليات السطو تركزت جغرافيا في المحافظات الثلاث الأكبر في الأردن «عمّان، الزرقاء، وإربد» فيما توزعت الفئات العمرية لمنفذيها ما بين 24-38 سنة باستثناء عملية سطو واحدة نفذها خمسيني في منطقة صويلح غرب عمان وقام بتسليم نفسه إلى مركز أمني بعد ساعات من العملية مع المبلغ المسلوب 24 الف دينار تقريبا ، باستثناء 3500 دينار قال في التحقيق أنه قام بتسديد ديونه منها.
نُفذت كافة عمليات السطو على البنوك بشكل فردي، لكن عمليات السطو الأخرى على المحلات التجارية والصيدليات ومحطات الوقود اشترك فيها أكثر من شخص وصل في بعضها إلى ستة أشخاص، ومن بين جميع المشتركين الذين تم القبض عليهم كان هناك أنثى واحده، شاركت في عملية السطو على مركز للبريد في الضليل .
شخص واحد فقط ممن قبض عليهم بعد تنفيذ عمليات السطو ضد البنوك كان يحمل سجلاً جرمياً، حيث كان الأربعة الآخرون أصحاب سجلات جرمية نظيفة، وكان من بينهم شاب يمتلك محلا تجاريا شهيرا وسط عمان، وآخر كان طالباً في إحدى كليات الهندسة وأظهرت بياناته البنكية أنه ميسور الحال وفق بيان صدر عن الأمن العام عقب إلقاء القبض عليه، فيما كان 70% من منفذي عمليات السطو الأخرى من أرباب السوابق الجرمية.
القضاء حاول من جهته توجيه رسائل قوية لردع عمليات السطو المسلح التي تتالت بشكل مريب فأصدر أحكاما قضائية متشددة وسريعة في بعض القضايا التي وصلته، حيث حكم على منفذ أول عملية سطو ضد بنك بالأشغال الشاقة لخمسة عشر عاما، بتهمة «القيام بأعمال من شأنها تعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر» ومن المعلوم أن حكم جريمة السرقة لا يتجاوز ثلاث سنوات سجن.
ويعتبر الحكم بالسجن خمسة عشر عاماً الأطول كعقوبة لجريمة السرقة، وبررت المحكمة قرارها كون الجريمة التي ارتكبها المتهم الرئيس تسببت: «ببث حالة من الخوف لدى المواطنين والعاملين في قطاع المصارف والبنوك، وتسببت بحالة من الارتباك في قطاع البنوك، وتسببت بضربة موجعة للاقتصاد الأردني».
المحامي فواز عبدالله يرى أن هذا الحكم «غير مألوف» في قضايا السرقة الجنائية واستندت المحكمة في إصداره إلى الحد الأعلى للعقوبة، خلافا لعادة المحاكم في اعتماد الحد الأدنى للعقوبات خصوصا إذا لم يكن المدان صاحب أسبقيات جرمية.
وأوضح عبدالله أن قانون العقوبات في المادة (401 ب) تنص على أنه وفي حال سطو السارقين كلهم أو واحد منهم على بنك تحت تهديد السلاح يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن 10 سنوات فيما نصت المادة (402) انه يعاقب الذين يرتكبون السلب في الطريق العام بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تنقص عن 7 سنوات إذا حصل فعل السلب نهاراً من شخصين فأكثر وباستعمال العنف أو بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن 10 سنوات إذا حصل فعل السلب ليلاً من شخصين فأكثر وبالأشغال الشاقة المؤبدة إذا حصل فعل السلب وتسبب عن العنف إصابات.
التحدي الأمني بعد هذه الجرائم تركز على ضبط منفذي هذه الجرائم في أسرع وقت ووضع الإجراءات الكفيلة بمنع تكرارها وفقا لمصدر امني الذي حاول التقليل من حجم الظاهرة، معتبراً أن إجراءات الأجهزة الأمنية تسير وفق الآليات المتبعة مع مختلف الجرائم.
وقال إن البنوك بحاجة إلى أنظمة حماية أكثر فاعلية من المعمول به حاليا تساعد في إنهاء هذه الجريمة أو الحد منها إلى أدنى الحدود، معتبرا أن الأمر لا يتعدى كونه ظاهرة جرمية عابرة سرعان ما تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد سد الثغرات التي كشف عنها وقوع هذه الجرائم.
مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، د. موسى شتيوي يرى أن انتشار هذا النمط الجرمي يتسق مع المؤشرات الإحصائية التي تشير إلى ارتفاع نسبة الجرائم الاقتصادية بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة في الأردن، وهي بالمجمل مؤشر على ضغط الظروف الاقتصادية على المواطنين.
وقال إن سياسات السوق المفتوح أعطت قيمة إضافية للمال والمظاهر الاستهلاكية وأصبح هناك قيمة للسعي خلف المال، وهذا بالطبع دفع البعض للبحث عن سبل سريعة لكسب المال، وبالطبع من بين هذه السبل ما هو غير مشروع، معتبرا أن انحسار الغالبية العظمى من منفذي الجرائم بالشباب يعود إلى أن كلفة الجريمة على الشباب غير المتزوجين أقل من غيرهم بسبب حسابات وجود العائلة والأولاد التي قد تحد من تهور الفئات الأكبر عمراً.
ولفت شتيوي الى أن جرائم السطو التي وقعت في الأردن كشفت عن ثغرات واضحة في المنظومة الأمنية للمؤسسات المالية، بحيث ساد بعد أول عملية أو عمليتين شعور بأن القيام بهذه الجريمة سهل إلى حد ما وهذا شجع آخرين على تقليدها والقيام بها، خصوصاً أن مشاهد هذه الجريمة مألوفة ومنتشرة بكثرة في الأفلام، أو حتى في مقاطع الفيديو التي أصبحت تصلنا بسهولة من دول ترتفع فيها نسبة هذه الجرائم.
بالنتيجة تداخلت عوامل اقتصادية واجتماعية بأخرى ثقافية جعل من مشهد أفلام «الآكشن» للرجل المقنع الذي يسلب البنوك والمراكز التجارية تحت تهديد السلاح مشهداً مألوفاً للأردنيين، وخلق تحديا جديد للأجهزة الأمنية الأردنية، التي واجهت ضغطا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية بسبب تنامي الجريمة بصورة كبيرة في الأردن وبروز أنماط جديدة منها لم تكن معروفة سابقاً.