بعد أن قام موقع (ويكيليكس) لمؤسسة الاسترالي (جوليان أسانج )الذي القي القبض عليه في بريطانيا بتهمه اغتصاب قد تكون ملفقة استخباراتيا, بنشر الوثائق السرية التابعة للخارجية الأمريكية , يتبين لنا مدى خطورة تسريب هذا الموقع لهذه الوثائق على الأمن القومي الأمريكي وعلى مشاريع أمريكيا وسياساتها وأدوارها المستقبلية الاستعمارية في معظم مناطق العالم, وأيضا على أمن جنودها وموظفيها ,من خلال ردة فعل الإدارة الأمريكية متمثلة بوزارة خارجيتها ,التي جن جنونها بسبب تسريب هذه الوثائق ومحاولاتها المستميتة في وقف التسريب من خلال بحثها عن الذين قاموا به لمحاكمتهم ,ومحاولات وقف الموقع والتشويش عليه اليكترونيا , ومطالبتها لمؤسس الموقع والقائمين عليه بعدم النشر,( الذي كان قد هدد انه في حالة اعتقاله أو إغلاق الموقع ,فسيقوم بنشر وثائق سرية جدا لها أهمية إستراتيجية كبرى,(وقال عن هذه التسريبات ، بأنها اكبر تسريبات للوثائق السرية الأمريكية, وحسب رأيه إذا ما تأكدت المعلومات من أن هيلاري كلينتون قد طلبت فعلا من الدبلوماسيين الأمريكيين مراقبة مسئولي هيئة الأمم المتحدة، فلن تقدم الاستقالة بمفردها، بل ربما سيتبعها الرئيس باراك اوباما في ذلك ) .........
وبسبب خطورة نشر هذه الوثائق التي اتضح فيها مدى وقاحة الدبلوماسيين الأمريكيين بخصوص تلك الإساءات التي احتوتها تلك الوثائق والتقارير بحق قادة ومسئولي الكثير من هذه الدول على لسان سفرائها المعتمدين فيها و بكل تلك العنجهية والاستكبار والاستعلاء والفوقية ألمعروفه عنهم ,كما قال الرئيس الروسي (ديمتري مدفيديف) (أن الوثائق السرية التي نشرت تظهر وقاحة الدبلوماسية الأمريكية في تقييماتها وآرائها، مما قد ينعكس سلبا على علاقات الولايات المتحدة مع دول أخرى ), وبناء عليه فقد قامت الخارجية الأمريكية بتحذير الكثير من دول العالم , من تأثير نشر الوثائق على علاقاتها معها في مساعي لاحتواء أزمات دبلوماسية قد تحدث مستقبلا, تصل إلى حد طرد سفراء أمريكا , مما يؤثر على علاقات أمريكيا مع الكثير من دول العالم وأدوارها المشبوهة فيها, وقد يؤدي نشر الوثائق إجراء تغيرات جدية في الأجهزة الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية الأمريكية, في عملية تغيير وتبديل مكان عمل الدبلوماسيين, وان الصعوبة التي ستعاني منها الدبلوماسية الأمريكية تكمن في كون أكثرية كاتبي هذه البرقيات التي نشرها الموقع هم من ذوي الخبرة الكبيرة ومن الصعب جدا تغييرهم ........
وبينت الوثائق المتسربة الدور ألاستخباري الذي تلعبه السفارات الامريكيية في معظم الدول, من خلال برقيات أرسلتها وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، مصنفة( سري )موجهة إلى السفارات تطلب فيها واشنطن مهمات عادة ما توكل إلى جهاز السي اي ايه كالتصنت والتجسس على الجهات المعنية فيها,والمعلومات التي طلبتها الوزيرة تراوح بين جمع البيانات الخاصة والشخصية، مثل أسماء الدبلوماسيين وعناوينهم ، وأرقام حساباتهم المصرفية ,وعناوين بريدهم الالكتروني ,وأرقامهم الهاتفية, ,وحتى معلومات بيولوجية عنهم، كالحمض النووي والبصمات والتواقيع وبيانات بصمة العين, و حالتهم الصحية وأرائهم في الولايات المتحدة ودرجة كفاءتهم وانتمائهم العرقي وعدد اللغات التي يتقنونها ,كما طلبت معلومات مشابهه عن الأمم المتحدة وعن موظفيها, وحتى طلبت معلومات عن (بان كي مون) نفسه وخاصة عن طريقة أسلوب عمله واتخاذه للقرار, كما كشفت الوثائق المتسربة أن وزارة الخارجية قد طلبت معلومات عن مسئولين مستقبليين محتملين في المجالات السياسية والعسكرية والتجارية والاستخباراتية في مختلف دول العالم .........
أما بالنسبة للعالم العربي والشرق الأوسط , وإن كنا نعرف عن مواقف وتصرفات بعض الحكام العرب بخصوص ما يتعلق بحماس وحزب الله وإيران , فقد كشفت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي سربها الموقع, قد أظهرت أيضا قلقاً واسعاً بين قادة دول الخليج بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفي مصر أيضاً , كما طلبت برقية أخرى موجهة إلى دبلوماسيين في القاهرة وتل أبيب والقدس وعمان ودمشق والرياض معلومات عن سيارات ومسارات كبار مسئولين من حماس والسلطة الفلسطينية...... كما أظهرت التسريبات وثائق تخص الشأن الداخلي الأردني حول التنافس بين فريفي الوحدات والفيصلي على زعامة الرياضة الأردنية , وذكرت الشعارات والهتافات التي يطلقها الجمهور من الفريقين التي تبين الإيحاءات والتوجهات الإقليمية , والغريب انه بعد هذا التسريب بمدة زمنية قصيرة حدث ماحدث في المباراة الأخيرة بين الطرفين ....فهل للسفارة الأمريكية في الأردن دور في ذلك؟؟؟؟,...كما أظهرت التسريبات الجديدة وثائق تقول إن تركيا قدمت مساعدة إلى مقاتلي القاعدة في العراق، وإن الولايات المتحدة ساعدت انفصاليين أكراداً متمركزين في العراق على ...محاربة تركيا ......
ويتبين من هذه الوثائق وكما هو معروف أن هنالك فرق مابين وجه لدبلوماسي للسفارة ودورها الخفي السري ألاستخباري ألتجسسي, تعلمه الدول المضيفة .....(فالسفارة تعتبر الجاسوسية المرخص بها, وهي دولة داخل الدولة،و العاملين فيها يبحثون عما هو أفضل لبلادهم سواء كان على المستوى الاقتصادي والثقافي أو السياسي والعسكري والأمني , والمطلوب منهم جمع ما يقدرون عليه من معلومات في الشؤون العسكرية والأمنية والاقتصادية وحتى الديمغرافية والصحية الجسدية أو النفسية التي تتعلق ببلد السفارة ,و يتطلب ذلك وجود طاقم مدرّب إستخباريا واجتماعيا وعسكريا ونفسيا حتى يستطيع القيام بجميع المهمات الموكلة إليه,ولديه الجاهزيه التامة لتنفيذ أي مطلب استخباري),وقد يتطور النشاط ألاستخباري والدبلوماسي ليصبح تدخلا مباشرا في سياسة البلد المضيف , وقد يصل نفوذ بعض سفراء بعض الدول إلى أن يقوموا بمقام الحاكم الفعلي لهذا البلد أو ذاك, ومستشاره الخاص الذي لا يرفض له طلب, فيعزلون وزير ويضعون بدلا عنه ويطبقون قانونا ويغيرون آخر ,أو حتى القيام بانقلابات تقوم بتغيير الانظمه ), مثلا (انقلاب مصدق في إيران ضد الشاة وانقلاب حسني الزعيم في سوريا )....(وهذا الدور الذي تلعبه السفارات ليس جديدا، فمنذ القديم كانت السفارات جزء من السياسات الخارجية للدول، لذلك فهي في وقت الحرب تلعب دور القاعدة العسكرية ، وفي دور الأزمات تلعب دور خلية الأزمة، وفي الأحوال والظروف العادية تكون بؤرة للتجسس وجمع المعلومات وتنفيذ الخطط الأمنية لبلادها ),وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر استحدث في عدد من سفارات الولايات المتحدة مكاتب خاصة ذات مهمات خاصة تؤدي دورها ألاستخباري تحت شعار ( مكافحة الإرهاب ).......
ويتضح الدور الذي تلعبه السفارات الامريكيية تماما حين الحديث عن العراق قبل الغزو الأمريكي وبعده , فدور السفيرة الأميركية (ابريل غلاسبي ) قبل الاحتلال واضح ,لقد ساهمت في قيام العراق بغزو الكويت , عندما قالت للعراقيين بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في موضوع نزاع حدودي بين بلدين , و فهموا من ذلك أن أمريكيا لن تفعل لهم شيئا إذا قاموا بالغزو , وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عندما يصبح عدد العاملين في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق 3000 ألاف فهذا يعني أن المهمات كثيرة جدا , والدور الذي لعبة( جي قارنر )و (بريمر )و( زلماي خليل زادة )والذين كانوا يقومون بدور الحاكم الفعلي للعراق واضح أيضا ،ومازال يتمتع السفير الأمريكي في العراق بهذا الدور حتى بعد تشكيل الحكومات المتعاقبة الشكلية ,فما رئيس الجمهورية أو الحكومة العراقية إلا أدوات في المشروع الأمريكي، تأتمر بأمر السفير, (أما في الأزمة اللبنانية فإن الساسة اللبنانيين سواء كانوا في المعارضة أو في الموالاة كثيرا ما يركزون في خطاباتهم وتصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحفية على دور هذه السفارة أو تلك في دعم خصومهم، وقد برز اسم فيلتمان والسفارة الأمريكية، واسم السفارة الفرنسية، واسم السفارة الإيرانية،وحتى اسم السفارة السعودية ) وهو ما يعني أن مشاريع الدول الكبرى تقوم بتنفيذها ميدانيا سفاراتها في هذه الدولة أو تلك).... (كما أن السفارات تلعب دورا خطيرا في عقد الصفقات السياسية، والاتصال بالشخصيات المعارضة، وتمويل المؤتمرات المشبوهة, و تحريك الشوارع ونشر الفوضى).......
وبعيدا عن نظرية المؤامرة والشك في عملية التسريب برمتها , في أن تكون لها أهداف إستخبارتية أمريكية أو إسرائيلية مستقبلية , نظرا لأنه لم يرشح أي شيء لحد الآن عن إسرائيل وسياساتها وأعمالها القتالية والاستخباراتية , فانه رغم ذلك يتوجب على القادة والمسئولين العرب الاستفادة من الدروس التي نتجت عن نشر هذه الوثائق , في أن يصبحوا اقرب إلى شعوبهم وأكثر شفافية ووضوحا وصراحة , وان لا يثقوا بالأجنبي سواء أكان وزيرا أو سفيرا أو موظفا أو خبيرا, وان لا يعطوه كل ما عندهم أو بما يفكرون به أو ما يتمنونه , لان الحديث معهم لا يمكن أن يكون حديث عادي بين أصدقاء, بل سيقوم هذا الشخص بكتابة تقرير بكل ما يسمع أو يشاهد يرسله فورا إلى رؤسائه المباشرين, وهذا دوره وواجبة الموكول به , فمقولة (صديقي هنري كيسنجر) الشهيرة (للسادات) التي تدل على السذاجة والغباء السياسي , تنطبق على حال الكثير من العرب حين يتعاملون مع هؤلاء , فهؤلاء لا يمكن الوثوق بهم أبدا ... ,,ومن الملاحظ أن الخارجية الامريكيية كان همها الأمن القومي الأمريكي فقط لا غير, لم تقدم اي اعتذار عما ورد في تلك الوثائق من إساءات لحقت بزعماء ومسئولين عالميين ودول , هكذا هم دائما الأمريكان في تعاملهم مع الآخرين.....!!!!
طلب عبد الجليل الجالودي
talabj@yahoo.com