الإعدام للمغتصب، السجن للمتحرش!
نادرة للغاية هي الأخبار التي
تبعث على الارتياح، أو بعضه، في الوطن العربي هذه الأيام، فمعظم الأخبار
التي تنهمر على رؤوسنا صباح مساء تبعث على القهر والقلق والإحباط
والاكتئاب. وبما أن هذا الوضع المزري بات يمثل القاعدة، فإن لكل قاعدة
استثناءاتها، ولو النادرة، لحسن الحظ. الخبر \"المريح\" الذي يُعنى
بالحديث عنه هذا المقال يأتي من قاهرة المعز، التي لم نظفر بأي خبر عنها
أو منها يسر القلب منذ دهور. يقول الخبر إن الحكومة بصدد إجراء تعديلات
قانونية تتضمن تغليظ العقوبات وتشديدها على جرائم الاغتصاب والتحرش
الجنسي، بحيث يغدو الاغتصاب كفيلاً بسوق مرتكبه الأثيم إلى حبل المشنقة،
ويصبح التحرش، سواء بصورة وجاهية أو عبر الهاتف أو الإنترنت، مبرراً
كافياً لقذف المسؤول عنه في ظلمات السجن لمدة سنتين كاملتين. الأصل طبعاً أن لا نفرح لمثل هذا الخبر، فهو يعبر عن استشراء مشكلة
الاغتصاب والتحرش إلى درجة مريعة استدعت التدخل الصارم وتضخيم العقوبات،
ولكن بما أن السير على طريق إصلاح المشكلة أفضل قطعاً من تجاهلها أو
إهمالها، فإن من حقنا فيما أظن أن نشعر بشيء من الابتهاج. في الوقت نفسه،
لن نفسد ابتهاجنا بالخبر بالنبش حول أسبابه، وإن كانت النفس الأمارة بالشك
تدفع المرء إلى مسايرة ما يردده البعض من القول بإن الحكومة تريد إلهاء
الناس بتلك التعديلات المرتقبة وما سينجم عنها من هرج ومرج وصخب، فالكثافة
المخيفة لظاهرة التحرش تحديداً، ستشغل الرأي العام بما لا حصر له من
القضايا التي ستشهدها أروقة القضاء، وهذا شيء تحبه الحكومات دون شك؛ إذ
سيصرف الناس، ولو قليلاً، عن الاشتغال بعيوبها التي لا تعد ولا تحصى. هناك من يقول إن التعديلات تعبر عن المثل الحكيم القائل: \"ما قدرش على
الحمار تشاطر عالبردعة\"، الحمار هنا يرمز طبعاً إلى كبار حيتان الفساد
الذين تعدّ الحكومة من الواحد إلى الألف قبل التفكير بالاقتراب من أحدهم،
بينما تحيل البردعة إلى البسطاء من عامة الناس، الذين يجدون في التحرش
الجنسي الوسيلة الأسهل للتنفيس عن بعض ما يتأجج في أعماقهم من غضب وقهر
وكبت، وبخاصة مع انتصاب الزواج كجدار عال عصي على الاختراق بالنسبة
لملايين الشباب المحرومين، الذين تتطوع وسائل الإعلام السافلة وبرامج
الإنترنت الساقطة لتزويدهم بما يجعلهم حمماً شبقية ملتهبة تمشي على رجلين. ولكن للحق، وبصرف النظر عن أسباب إقرارها، قد تشكل العقوبات الجديدة إذا
ما طبقت على نحو جدي وشامل وعادل رادعاً معقولاً لضعاف النفوس ممن تسيرهم
غرائزهم كالبهائم، مع أن عقوبة السجن قد لا تكون عقوبة كافية وكافّة
للكثيرين، فالسجن \"أكل ومرعى وقلة صنعة\" في نظر بعض المنحرفين، وينبغي
التفكير بعقوبات أكثر شدة وغلظة، وأقل كلفة على خزينة الدولة ـ المنهوبة
والمنكوبة أصلاً ـ بحقهم، وبخاصة أولئك الذين يستمرئون تكرار جرائمهم
ويحترفون الإفساد في الأرض. القصاص العادل الذي فرضه الله العالم بخلقه وبما يصلحهم هو العلاج الأنسب
لمثل تلك الظواهر المرضية دون شك، لكننا نصر على رفض أحكام الله، التي
كثيراً ما نكتشف بعد طول إنكار واستنكار ـ ويا لغبائنا وغرورنا ـ أنها
تجسد الحل الأمثل الذي كان ماثلاً أمامنا طيلة الوقت. ومن يستنكر عقوبة
الإعدام مثلاً، التي بدأ كثير من الدول يقتنع مجدداً بأنها العقاب الأشد
ردعاً للكثير من الجرائم، متذرعاً بالحجج الواهية الكاذبة المتعلقة
بالسفاهات التي أقحمت ظلماً وعدواناً على الحقوق الحقيقية للإنسان،
فليتخيل أن ابنته أو أخته قد تعرضت لاغتصاب وحشي على يد أحد الأشرار
المجرمين، ثم ليقل لنا بصدق ما العقاب العادل الذي يستحقه مثل ذلك الكائن
الكريه!؟ د. خالد سليمان sulimankhy@gmail.com |
|