طالما ألهمت الطبيعة العلماء لصياغة أفكاراً عظيمة كانت نواة لإختراعات كثيرة خدمت البشرية لعقود. ففكرة الطيران ،وتصميم الطائرات وأجنحتها مستوحاةة أصلاً من الطيور. وفكرة الحاسوب المستوحاة أصلاً من طريقة عمل الدماغ ،وقدرته الرهيبة على تخزين المعلومات ولفترات طويلة. تذكرت هذا وأنا أتابع تقريرا من عمان عن سيدة طبقت علم \"البيونكس\" ،وهو علم يعنى بتطبيق افكارا وأنظمة موجودة في الطبيعة، ونقلها وتسخيرها في علم الهندسة ،والتطوير التكنولوجي، وكل مايخدم البشرية. قامت السيدة بتصميم منزل بسيط ، وجميل بعد أن إستلهمت كل مكوناته من الطبيعة، إبتداءً بهندسته الدائرية والماخوذة من كروية الأرض، وحتى تصميم المداخل، والقبب القائمة على فكرة الجاذبية. بالمناسبة اسم\"بيونكس\" ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد ب\"ويكيليكس\"،
هطل المطر بأمر الله ،لا بأمر الحكومة. وتساقطت الثلوج ،ولازالت، لتوحي لنا بمجموعة أفكار وجب علينا ان نستلهمها ، ونستعيرها لنبدأ بتطبيق علم البيونكس إقتداءً بتلك السيدة.
صورة المطر، وصوته العذب الذي يدقدق نوافذ غرفتي الباردة لايبارح مخيلتي. اتوق إليه ، وأعشق التجربة كل ماخطرت ببالي رغم كل ماكان يترافق معها من مشكلات ترميم ماأفسده الدهر من \" مزاريب \" تسقط مع كل هبة قوية، وترقيع \"جبصي\" لكل اماكن التسريبات المطرية\" مش ويكيليكس برضه\". يلهمني المطر معنى العدل، فهو لايفرق بين غني أو فقير، أو أخضر أو أزرق،و لاشمال أو جنوب. يسقط على الوف البشر ربما لتسقى بهيمة، او ليشرب شيخ كبير عاصر أمطار \"سفر برلك\" أو ماقبل. مقدمات المطر من غيوم، ومايترافق منها من برق ورعد، كلها مقدمات خير، وتباشير فرح. حبذا لو أستعرنا كل هذه المقدمات لنكون محاضر خير، ويكون قدومنا دوما قدوم خير، وتكون كلماتنا ونياتنا مقدمات لأفعال طيبة كريمة ككرم المطر الذي يتساقط الآن. لاتنسوا أن المطر رحمة يسوقها الله حتى بعد يأس وقنوط وجحود، وبعد مجاهرة بالمعاصي. هكذا تعودنا وللأسف، ننتظر حتى ونحن لم نقدم شياً ، وصرنا نتقن بل نتفنن بالأخذ، والسلب والنهب دون أن نمارس ولو لمرة واحدة فن العطاء، والبذل ،والتضحية.
أما تساقط الثلج، ففيه لوحات ماأحوجنا لتذكرها. أنه حكمة جاءت بوقت نحتاج فيه وبشدة للون الأبيض الصادق ، الواضح بعدما لطخت ألوان الأخضر، والأزرق ، والأحمر وجه بلادي. لون بلادي اليوم أبيض كبياض قلوب أهله النابضة بالحب، والصدق والتسامح كما هي دائما.
لازلت أتذكر الثلج ببياضه الناصع، ودفء فراشة الذي كننا ننعم به بعد أيام إجازة منتزعة من الجدول السنوي. اما التزلج ، فكان كالذي في سويسرا، قطع من اواني بلاستيكية نتزحلق عليها من مكان مرتفع لتهوي بنا إلى أسفل الوادي، لنقضي بقية اليوم في رحلة العودة لقمة الجبل مرة أخرى.
اما ذكريات الدفء والحنان، و\"الفاير بليس\" أقصد صوبة الحطب، فلن تتكرر بعدما فرقت الدنيا الأحبة، وبتنا نتواصل بالرسائل و\"الماسنجر\". عجزت كل مهارات الإتصال، ومحاولات التقريب، والتوفيق أن تصل لمهارة صوبة الحطب في جمع الأحبة والخلان.
سأعود لهناك قريبا كي أمارس كل مافتني من طقوس المطر، والثلج. وصدقوني لن أضيف إلى تلك الطقوس شيئا، فسأبدأ يومي \"بكباية شاي\" وقليل من خبز وزيتون وزيت كما هي العادة، وصوبة حطب قديمة، ونافذة اطل منها على بياض قلب الأرض واهلها، لكن سأحرص على أن أقتني قلم رصاص ادون به كل مايخطر ببالي من حب وعشق لأرض بلادي واهلها.
صباح الخير ياعمان....صباح الخير يا أردن
صباح الورد والريحان.... صباح الهيل، صباح البن
صباح الخير يمه...ويسعد صباحك. صباح الخير يابه ..ويسعد صباحك
صباح الخير ديرتي وربعي..صباح الخير أخوتي وأهلي
د.نعيم فرحان المومني- مستشار أكاديمي وباحث تربوي - لإمارات العربية المتحدة