اعتدنا أن نرى تلك الجموع الغفيرة تجتمع في كل مباراة أو موسم كروي، وهذا بحد ذاته لم يكن يعني إلا من يحب متابعة المباريات الكروية. ولكن ما نراه الآن في بلدنا لم يعد مجرد مباراة ، بل تعداها إلى مذبحة أو حرب مصغرة لا تشير إلا إلى أننا لم نعد ننتمي لدين ولا عروبة ولا أخوة !!
كنتُ أعتقد أننا وصلنا من الخبرة والحنكة إلى ما يمكننا من تمييز الغث من السمين ، فنفهم أن هذه مجرد لعبة ، الغرض الأصلي من ممارستها هو التريّض والترويح عن النفس ، و اتباع الروح الرياضية الحقة في تقبل النتيجة. لكن ما يحدث على أرض الواقع ما هو إلا تطبيق عملي للعنصرية البغيضة وما يحاول البعـض من مثيري الفتن النائمة إسقاطه على الشباب لأنه يعلم أنهم أكثر اندفاعاً وتهوراً ، وأنهم سيذكّون النيران المستعرة تحت آنية الوطن المتلاحم، فيزيدون فرقتنا – التي لم نترك للاستعمار شيئاً ليضيفه إليها – بعد أن كنا أرضاً واحدةً ، وأمة واحدة ، وديناً واحداً ، بلا حدود ولا تفاصيل تمنع أحدنا أن يحبّ الآخر ويراه أخاً له ، تماماً كالمهاجرين والأنصار ، الذين لم يضرب التاريخ مثلاً أروع منه لتلاحم الإخوة ومشاركتهم الخير فيما بينهم ، فأين نحن اليوم من الأنصار والمهاجرين ؟؟؟
ألم نكتفي أن الاستعمار قد قطعنا إلى أشلاء متناثرة ليضمن تفرقنا أحزاباً ، والآن لا
حاجة لوجوده فقد ضمن أن أكثرنا تعلماً وبلوغاً لأعلى الدرجات الأكاديمية قد أتقن رسم حدود بلده التي وضعها لنا الاستعمار ، ربما أكثر مما يعرف نفس المستعمر الذي وضعها !! فأي جهل هذا الذي نرتمي في أحضانه؟؟
أي غيظ يكتنف صدورنا برغم علمنا أنه ليس منا عائلة لم يختلط دم شرقها بدم غربها ، ونتج عن هذا الخليط أطفال ورجال ونساء ونسب وعلاقات حميمة ، حتى نسمح لمن تتآكلهم العنصرية البغيضة
أن تمزق نسيجنا الوطني الواحد تحت أوهن الأسباب وأتفهها ، مباراة سخيفة بكرة جوفاء !!
ترى لو فاز أي الفريقين ، فأي نصرٌ قد طالنا كعرب أو مسلمين ؟؟ ولو هزم كِلا الفريقين فأيّ خسارة
أفدح من خسارتنا لأنفسنا ؟؟
عندما ) فازت ) قطر بنيل ( شرف ) احتضان كأس العالم في أرضها قامت الدنيا ولم تقعد ، وكأننـا فتحنا بلاد الهند والسند ، أو نلنا سبق اكتشاف علمي لم يسبقنا إليه أحد ،أو بلغنا من الكواكب ما لم يبلغه سوانا ، وفرحنا لأن اقتصاد بلد عربي سيزدهر بعد أن نستضيف أعداءنا في وسط دارنا ، ليروا بأمّ العين ، كم نحن قادرين على الصرف بمنتهى البذخ لنرفّه عن ضيوفهم ، فيما تموت نسوةٌ وأطفالٌ جياعاً في بلادنا ، ويموت بعضهم قهراً وذلاً
وبرداً وقسوةً وظلماً وتحت تعذيب الأعداء في غزة والعراق ، فأي انتصار لنا سنجده تحت الأقدام ؟؟؟
ترى ، هل هانت الدماء العربية والمسلمة على بعضها حتى أصبحت مجرد شراب أحمر اللون لا طعم له ولا رائحة ولا قيمة ؟؟ ترى هل نسي الجميع أننا كلنا من آدم وحواء ، إخوة لم تفرقنا إلا المطامع والأحقـاد و وسوسات الشياطين ؟؟
إنني أدعو الجميع من خلال أسطري هذه ، أن ينبذوا الشقاق والنزاع والعنصرية التي نهى عنها نبي الرحمة
فهي كلها لا تقودنا إلا إلى غضب الله وإلى فرقة الصفوف وتشرذم الجميع أحزاباً ضعيفة يسهل هزيمتها بالضربة القاضية ، فالله يدعونا دوماً إلى الوحدة والجماعة ويد الله مع الجماعة وقد قال عليه السلام : ( لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ) .. فلندع جميعاً هذه العنصرية فرائحتها البغيضة تزكم الأنوف ، وما عدد الجرحى في جمهور المباراة الأخيرة إلا خير دليل على أننا لم نراعي حق الله في أنفسنا وإخواننا . لنصحو بني أمتي ، فما خلقنا للعبث ولا للهو ، ولو رغبنا الترويح عن أنفسنا فباللعب المباح الذي يراعي حرمات الله وحدوده، فهل سفك دماء بعضنا ليس تعدياً على حدود الله؟؟
لنتفكر قليلاً وأمنياتي أن يرشد الله الجميع إلى طريق الخير والتوفيق.
nasamat_n@yahoo.com