كنا قد وصلنا في المقال السابق...(من أنا؟...من انت ؟) إلى أنه أنا وأنت مخلوقين عاقلين مكلفين , بغض النظر عن اللون أو الشكل أو النسب اوالجنس أوالجنسية أو الدين أو المستوى التعليمي الغنى أو الفقر أو الموقع الجغرافي أو الموقع الفلكي من درجات العرض و خطوط الطول , فأنت أيها القارئ إنسان...
نحن من ذرية سيدنا ادم عليه السلام , وحقيقتنا أنا وأنت الاغتراب والسفر , فبعد أن خلق الله سيدنا ادم عليه السلام أخرج الله تبارك وتعالى من ظهره ذريته واستنطقهم فاعترفوا كلهم بألوهية الله ووحدانيته وأخذ عليهم العهد بذلك بما فيهم أنا وأنت والناس أجمعين السابقين والحاضرين و اللاحقين ,( بسم الله الرحمن الرحيم: وإذا أخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )
صدق الله العظيم, ( الاية 172 سورة الأعراف) وأول سفر لنا كان بالاغتراب الأول,عندما شاء الله أن يخرج ادم من الجنة إلى الأرض دار الممر ومن ثم سنة الزواج بين أبناء ادم وكان السفر وما زال يتم بواسطة مركبة من نوع خاص لا نعرف ما هيتها إلا بالقدر الذي أشارت به الكتب السماوية ( الملك) فتحط هذه المركبة في باب رحم الأنثى لتوصيل الروح إلى محطتها الاولى بعد أن تكون البيئة المناسبة لها قد هيئت تماما بعد مضي 110 أيام على أول يوم حمل, وقد خلق الله كل شيء بقدر, وها نحن نخرج من أرحام أمهاتنا بأمر الله في مركبة من واقع البيئة الدنيوية التي نسافر عبرها منذ اليوم الأول من اختلاط الأرواح القادمة من عالمها إلى تلك اللحظة التي يقدر الله بها انتهى أجل البقاء على الارض, عندها وبأمر الخالق تبارك وتعالى تتخلى الروح عن المركبة الترابية , وتستبدلها بقدر من الله العلي العظيم بمركبة أخرى تتناسب والعالم الذي ستصعد إليه منهية بذلك مرحلة الاغتراب والترحال الأولى والثانية, وسوف أكتفي بهذا القدر من الرحلة البشرية منذ ابتدأ لدن سيدنا ادم عليه السلام من رحلة القدوم وحتى رحلة العودة حيث أن الجسد يبلى أما الروح فلا تبلى كما أرادها الله الأزلي .
ولو أننا توقفنا قليلا وتسألنا لماذا نسي الإنسان الإقرار والاعترف بالإيمان بألوهية الله وربوبيته ووحدانيته بعد الخروج الثاني أي من بطن أمه؟والجواب : إن الإنسان جاء خلقه مناسبا لطبيعة الأمانة التي تحمَلها وهي التكليف, والتكليف مناطه العقل ( إفعل أو لا تفعل) الذي ميز الله عزوجل به الإنسان عن غيره من المخلوقات. لذلك يولد الناس مفطورين على الإيمان بالله, ولكن البيئة التي ينشأ بها المولود تؤثرعلى سلوكه الإيماني, ومع مرور الزمن يكتسب الإنسان خبرات وقناعات قد تؤثرعلى الشعور العاطفي الإيماني الذي يقوده بالضرورة إلى الإعتقاد العقلي بالوحدانية وعبادة الله, والإنسان بهذه الصورة قادرعلى تغيير كثير من ظروف حياته إستنادا إلى وجود قدرات وقوى دفينة في أعماقه, يمكن إيقاظها عن طريق مؤثرات داخلية وأخرى خارجية, وخاصة إذا ما كان لديه القدرة على الإستغراق بالسببية وتفحص النتائج.........
يتبع من أنا؟....من أنت؟
د. بركات النمر المهيرات العبادي