اتوقف عند ثلاثة اخبار صدرت في العاصمة الامريكية من شأنها تسليط الضوء بقوة على صورة الدول العربية في نظر الامريكيين, من قبل الادارة والمنظمات غير الحكومية.
الاول: التعليمات الجديدة التي ابلغتها السلطات الامنية في واشنطن الى الشركات الناقلة للركاب من 14 دولة (غالبيتها العظمى عربية) تتعلق بما سيتعرض له المسافر القادم من هذه الدول من تفتيش ومراقبة في المطارات الامريكية.
من هذه التعليمات, وضع الاجساد, رجالا ونساء, تحت كشف اجهزة تعريهم وتتجول فاحصة في كل جزء منها, الى جانب تبليغهم بان عليهم ان لا يبتعدوا في المطارات عن أعين رجال الامن, وان لا يذهبوا الى الحمامات قبل ساعة على الاقل من الصعود الى الطائرة!! وغير ذلك من اهانات تمييزية.
الخاضعون لهذه الاجراءات ليسوا فقط رعايا دول الممانعة انما ايضا اقرب اصدقاء امريكا وحلفائها, وبغض النظر عن دوافع هذه الاجراءات التي تتصف بالمبالغة والتطرف, فان الحق ليس على امريكا فقط التي قررت ممارسة التمييز في مطاراتها انما على العالم العربي الذي وصلت شعوبه ودوله الى مرحلة اصبحوا فيها محل عداء واحتقار واتهامات بانهم منبع للشر, وهذا كله نتيجة الاوضاع والظروف التي اصبحت تشكل بيئة خصبة للتطرف والارهاب بسبب غياب الديمقراطية, وما يزيد الطين بلّة ان الانظمة العربية لا تبدي اي رد فعل تجاه هذه الاجراءات, وكأنها تعترف بانها لا تتناقض مع ما تقوم به هي من قمع واهانة لشعوبها, وبالتالي تغدو اهانة مواطنيها في المطارات الامريكية شيئا عاديا لا يستحق غضبة مضرية ولا مراجعة ولا بحثا ولا سبباً للازمة والخلاف ومع الآخرين.
الخبر الثاني: الخطاب المطول الذي القته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن حرية الانترنت, الذي استخدمت فيه, في اكثر من موقع امثلة من دول عربية صديقة لواشنطن قدمتها على انها تعادي حرية الانترنت حيث يجري اسكات اصوات الافراد وقمعهم, واتهامها لهذه الدول بعرقلة التدفق الحر للمعلومات من خلال الرقابة ذات الدوافع السياسية.
ما اعجبني في خطاب هيلاري دعوتها القطاع الصناعي والعلمي لتطوير ادوات جديدة لتمكين الافراد في كل مكان من العالم استخدام الانترنت, وبما يحول دون نجاح اجراءات الانظمة في قمع حرية التعبير للمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الانسان, خاصة من خلال خدمات الهاتف المحمول.
لكن ما اخشاه ان الاموال الوفيرة المتوفرة في الحسابات الخاصة للانظمة ستجد الطريقة لشراء التكنولوجيا المقاومة لحرية استخدام الانترنت بما يجعل امنيات هيلاري كلينتون بتطور التكنولوجيا تقتصر على الشعوب الحرة وليست تلك التي ترزح حريتها تحت قيود كالجبال.
الجميع يعلم ان الدول الديمقراطية سنّت قوانين لعدم استخدام التكنولوجيا في التنصت على مكالمات الافراد واقتحام خصوصياتهم حتى في غرف نومهم من خلال الهاتف الخلوي. كل قوانين مكافحة الارهاب في امريكا واوروبا وضعت حدودا وشروطا قانونية واخلاقية لمثل هذه المراقبة. وحدها منطقة الشرق الاوسط تحولت الى سوق كبيرة لاستيراد هذه التكنولوجيا التي لم تترك (محرّمة) للانسان من دون انتهاكها في منطقة هي مهد الديانات وفي مقدمتها الاسلام الذي اعتبر انتهاك الحرمات جريمة.
الخبر الثالث: ويتعلق بتلك التقارير التي صدرت تباعا عن منظمة (فريدوم هاوس) المعنية بحقوق الانسان, وكذلك تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش), التي تشير ان دول العالم كله تخطو خطوات واسعة نحو حرية التعبير والحريات السياسية فيما تتراجع الدول العربية من دون استثناء في تزاحم ملحوظ على موقع »الطُشي«, اي آخر من يحق له الزعم بوجود حرية في بلده.
هذا ما تقوله واشنطن عن اصدقائها, فماذا لو كان عند الشعوب مؤسسات تعبّر بحرية عن رأيها مثل فريدام هاوس, ووزيرة خارجية مثل هيلاري!.0