في أواخر القرن الثاني من الهجرة ، حينما أجبر الخليفة العباسي المأمون رضي الله عنه الأمام علي بن موسى الرضا على الرحيل من المدينة المنورة والهجرة إلى خراسان فرض عليه الإقامة في مدينة طوس ، وهي مدينة إيرانية قريبة من مدينة شيراز التاريخية ، ولما طال الفراق اشتاق ذووه وإخوته وكثير من بني هاشم الى زيارته فاستأذنوه في ذلك فأذن لهم ، حيث لحق به كل من السيدة فاطمة بنت الأمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجة الأمام علي بن الحسين زين العابدين وأم الأمام الباقر و كذلك لحق به الأمير السيد أحمد بن الأمام موسى الكاظم والمعروف ب (شاه شراغ ) والأمير السيد محمد العابد بن الأمام موسى الكاظم والسيد علاء الدين حسين بن الأمام موسى ، فأستقر بهم المقام هناك ولا زالت قبورهم ومقاماتهم حاضرة حتى اليوم يؤمها الناس من كل أرجاء العالم .
اسوق هذه الحقيقة بمناسبة الزيارة التاريخية التي سيقوم بها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى إيران قريبا حيث ستبدو أنها الهجرة الثانية ان صح التعبير لأل هاشم إلى إيران و موطن أخر من مواطن كثيرة يقع بها قبور الأجداد من بني هاشم وعلى رأسهم السيدة فاطمة بنت الحسن الذي يعود بعض نسب الهاشميين اليوم إليها مع فارق الهدف والغاية والزمن والنتائج من هذه الهجرة ( الزيارة ) التي يعتزم جلالة الملك القيام بها قريبا وقد تبدو فرصة مناسبة لزيارة تلك المقامات والسلام عليهم ، كيف لا ، وهو حفيد من أحفاد الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما ، وهي فرصة تاريخية كذلك لدفن كل ما علق من شائبة في العلاقة بين البلدين .
لقد شاب علاقة الأردن بإيران فتورا وجمودا طال زمنه و استمر لأكثر من ثلاثين عاما أدركت فيها القيادات السياسية في البلدين ضرورة اللحمة والتنسيق واللقاء في ضل هجمة أمريكية وصهيونية لم ترحم احد و تعيد ترتيب الأوراق بهدف تحقيق مصالحها من جديد .
حسنا\" فعلت قيادتنا بالموافقة على الزيارة ، وحسنا\" فعلت إيران بالتقدم نحو الأردن خطوة نرحب بها جل الترحيب ، لأننا ندرك ان القواسم المشتركة بين البلدين كثيرة وان التحديات المشتركة تحتاج الى طي صفحة الخلاف والنزاع وضرورة البحث عما هو مفيد وصالح للبلدين ، فما رسمته الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني وعلى مدار الأعوام السابقة للعالم العربي من خطر التوسع الإيراني وما يسمى بتصدير الثورة وإنهاء الحكم العربي السني وإحلال حكم عربي شيعي او سني موال غايرتها وناقضتها ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية وأدركت فيها شعوب المنطقة أن موال الخطر الإيراني ليس أكثر من فزاعة استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لجر العرب الى مستنقع الهيمنة وتقسيم العالم الإسلامي وشرذمته من اجل استغلال ثرواته وجعله سوقا واسعة لمنتجاتها من الأسلحة التي تجاوزت أكثر من 280 مليار دولار على مدار ثلاثين عاما بغية تحسين اقتصادها في وقت عانت فيه هذه الشعوب ولا زالت من أثار الأزمة المالية العالمية التي تتحمل أمريكا وحدها مسئوليتها .
نرحب بتلك الزيارة ونتمنى لها التوفيق من اجل مصلحة العالم العربي والإسلامي ، فلعل وعسى ان يتنبه العرب لما قد يقعون فيه جراء استمرار التشرذم والنزاع الذي لا يستفيد منه سوى إسرائيل التي لا زالت تمارس أعمال التوسع والاستيطان والتهويد على حساب الأرض المحتلة والمقدسات ، وكذلك تستفيد منه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال نهب الثروات وإفراغ مصانعها من الأسلحة والبضائع تحت مسميات الخطر الإيراني !!
نتمنى ان تحذو كل الدول العربية حذو الأردن وتتقدم خطوة نحو إيران ، فلعل المسألة تتبدل والخيارات تتنوع وتدرك فيه إسرائيل خطورة تعنتها وتعيد حساباتها بمزيد من التنازلات بما يسمح لها العيش بسلام مع شعوب المنطقة .