زاد الاردن الاخباري -
د. حازم الناصر
نقص المياه وزيادة الملوحة في بصرة العراق هي بداية أزمة مائية شاملة من المتوقع ان تضرب العراق الشقيق خلال السنوات القادمة الذي نتطلع الى اليوم الذي يعاود اليه التقدم والاستقرار السياسي واحداث تنمية اقتصادية شاملة تضمن تقدمة وازدهاره.
وتعود جذور المشكلة الى حجز جزء كبير من مياه نهري دجلة والفرات بالسدود التركية والإيرانية والتي لم تأخذ بعين الاعتبار المصالح المائية العراقية ولم تراعِ الحقوق السيادية للعراق الشقيق وقبله الشقيقة سوريا.
ولان البصرة هي اخر نقطة تصلها مياه نهري دجلة والفرات بعد التقائهما جنوب العراق وقبل ان تصب مياههما في شط العرب (انظر الخارطة) ، فقد بدأت شرارة الازمة هناك وذلك لأنه وحسب مبادئ هيدرولوجيا المياه السطحية "كلما قلت كمية المياه تتردى النوعية والعكس صحيح" . وإذا استمر الوضع الراهن على كما هو عليه من حيث التأثيرات الخارجية وعوامل داخلية أخرى سياسية وإدارية فستنتقل هذه الازمة أي نقص المياه وتردي النوعية الى باقي مناطق العراق وخاصة المناطق الواقعة ما بين شط العرب وبغداد شرقاً وغرباً وسيكون لهذا النقص انعكاسات على مستويات التزويد المائي وخاصة مياه الشرب التي ستحتاج الى المزيد من عمليات التنقية ذات التكنولوجيا المتقدمة وذات الكلف الرأسمالية والتشغيلية العالية. وسينعكس هذا الوضع تدريجياً على مياه الري الزراعية وبالتالي تقلص رقعة الأراضي المزروعة وما يترتب عليها من نقص في امدادات الغذاء من الناتج الزراعي وتراجع المستوى المعيشي لقاطني تلك المناطق ما لم تتخذ تدابير وخطط عاجلة سناتي على ذكرها لاحقا.
ولقد اشرت في دراسة سابقة كنت قد اعددتها في العام ٢٠١٣ تحت عنوان " الربيع العربي والعجز المائي وسيناريوهات مرعبة" ونشرت الدراسة في جريدة القدس العربي بعد ان تم ترجمتها الى اللغة العربية... بان تشهد السنوات القليلة القادمة وخاصة في المنطقة العربية المزيد من الاضطرابات والاعتصامات بسبب تأثير نقص المياه على امدادات مياه الشرب(وهو ما عليه الحال اليوم في البصرة واليمن) وكذلك اثر ذلك على امدادات الغذاء والحبوب وبالأخص أسعار مياه الشرب والخبز وخدمات الصرف الصحي لاسيما وان معظم الدول العربية ١٧ من أصل ٢٢ بلد عضو في جامعة الدول العربية تعتبر من بين دول العالم الأكثر ندرة وفقرا في امدادات الميه فيما تستحل كل من الأردن واليمن قائمة أفقر دولتين في العالم من حيث نصيب الفرد من المياه المتجددة المتوفرة للاستخدام. وتعتبر الدراسة سابقة الذكر الأولى التي تربط موضوع المياه مع اعمال العنف والاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي الى عدم الاستقرار وكما هو الحال في البصرة التي شهدت اعمال عنف وذهب بسببها ضحايا وجرحى بالعشرات.
والسبب يعود كما ذكرت الدراسة الى ان مؤسسات الحكم غير الفاعلة والمترهلة وانتشار الفساد وعدم الشفافية وعدم القدرة على التخطيط الاستراتيجي لسنوات طويلة قادمة بسبب الأوضاع السائدة ستسهم في مزيد من التحديات وفي زيادة ندرة المياه والاخلال في امداداتها ونتاجا لذلك وبسبب اخفاق الحكومات المستمر في تلبية احتياجات المواطنين والأطفال الأساسية من مياه وغيرها فانهم -أي المواطنين- سيبحثون عن اية حلول تقدم لهم وسيلتحقون بمن يوعدهم بالتغير المنشود حتى ولو كانوا من خط سياسي مختلف كليا وبالتالي الانقلاب على النهج الحكومي القائم دون القاء اي اعتبار لأي انتماء سياسي كان ام طائفي او أياً كان نوعه بحثا عن سبل العيش وخاصة المياه.
وبالعودة الي الازمه الحالية للمياه في البصرة ، وبالإضافة الي الأسباب سابقة الذكر الإقليمية والمحلية ، فان تفاقم الازمه له أيضا بعدا اخر يتعلق بإدارة المياه في تلك المحافظة من حيث القدرة علي رسم خطط طويلة الأمد للتزويد المائي علي الرغم من وجود عدة استراتيجيات وخطط تم عملها منذ اجتياح العراق عام ٢٠٠٢ ، الا ان هنالك إشكالية في التنفيذ والذي ما زال يراوح مكانه علي الرغم من ان هناك اموال قدمت من الجانب الياباني والامريكي وكذلك الحكومة العراقية الى حد ما .
الحلول في البصرة متعددة الجوانب ولا يوجد حل سحري لتنفيذه خلال أيام لان مشاريع المياه بطبيعتها تحتاج الي سنوات بين الدراسات والتصاميم والتمويل والتنفيذ. ولكن على المدى القصير(خلال العامين القادمين) لا بد من التوجه وفورا لبناء وحدات لتحلية المياه المسوس السطحية والجوفية منها لزيادة كميات مياه الشرب المتاحة لسد الجز الأني وبمشاركة القطاع الخاص المحلي والاجنبي لان تنفيذ وتشغيل محطات التحلية تحتاج الي خبرات مميزه (انظر الصورة المرفقة) عوضا عن الكلف التشغيلية العالية التي قد تصل في تلك المناطق الى ٢ دولار امريكي لكل مترا مكعب من المياه وهذا طبعا جزء من المشكلة وهو المقدرة علي تغطية تكاليف مثل هذه المحطات في ظل وجود تعرفه مائية مدعومة بشكل كبير من الحكومة. قد يكون الصيف الحالي قد قارب على الانتهاء وستخف الازمة تدريجياً ولكن يجب العمل منذ اللحظة للتعامل مع الصيف القادم حتى لا تكون العواقب وخيمة.
اما علي المدى المتوسط من ٢ الى ٥ سنوات القادمة فلا بد العمل على توعية الجمهور بضرورة المحافظة علي المياه وإدخال الأليات الحديثة في ترشيدها وكذلك البدء بمشاريع إعادة تدوير المياه للمياه الراجعة من الري ومياه الصرف الصحي المنزلي حتي يتم الاستفادة من هذه المياه المعالجة لأغراض الزراعة المقيدة وبالتالي تخفيف الضغط علي المياه الصالحة للشرب ويتطلب الامر كذلك إعادة تأهيل شبكات المياه القديمة والمهترئة حتي يتم الاستفادة من كل قطرة مياه جنبا الي جنب مع ادخال افضل التقنيات لإدارة ومراقبة وتشغيل المياه ونوعيتها عن بعد.
ويبقى موضوع حقوق العراق من مياه نهري دجلة والفرات والتي تتناقص يوم بعد يوم بسبب التأثيرات الإقليمية الخارجية وكيفية تعامل دولة العراق الشقيقة مع هذا الملف والذي يجب يتم التعامل معه من خلال حزمة من الاجراءات السياسية المتكاملة على مستويات عدة لا سيما وانه ذو تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لجزء كبير من الشعب العراقي وذلك بتحديد الاجندات السياسية وأولويات التعاون السياسي مع هذه الدول حتى يتمكن العراق من الحصول على حقوقه المائية.