د. هاني الشبول
لا تختلف جماعة الإخوان المسلمين ( في الأردن ) وجناحها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي عن باقي الجماعات والفرق الإسلاموية في العالم من حيث قدرتها على صناعة \"الفتوى الدينية \" وتوظيفها سلاحا ماضٍ لذبح كل معارض والتخلص من كل مخالف لنهجها وأيدلوجيتها. فقد برعت جماعة الإخوان المسلمين في استخدامها الفتوى الدينية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتبرير خروجها على القانون وسيادة الدولة وإثارة الفوضى و المس بالأمن العام و الإضرار بالمصالح الوطنية العليا.
و تصديقا لما قلناه فقد أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن مؤخرا \" فتوى\" ، عبر أشخاص تابعين لها (يدعون بأنهم علماء دين )، \"حرمت\" فيها قتال تنظيم القاعدة وحركة طالبان الإرهابيتين في أفغانستان أو في أي بلد آخر ، والسبب هو ان جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وحركة طالبان ينتمون إلى نفس الايدولوجيا ويتشاركون نفس التصور المستقبلي لحكم العالم وإخضاعه لنظامهم السياسي وفلسفتهم الحياتية المستمدة من أيدلوجيتهم.
إن وصف جماعة الإخوان المسلمون نفسها بالاعتدال مقارنة مع غيرها من الجماعات الإسلاموية وادعائها الاحتكام إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان و التعددية لا تعدو .. بعد \"تلك الفتوى الارهابية\" التي اصدرها جناحها السياسي .. أن تكون عملية تجميلية ومساحيق كاذبة لإخفاء حقيقتها التي لا تختلف عن مثيلاتها من الجماعات الإسلاموية التي تعتمد العنف والإقصاء والتكفير و الانغلاق ورفض الاجتهاد والتجديد.
وتوظف جماعة الإخوان المسلمون الفتاوى الدينية لخدمة أهدافها السياسية فالكثير من فتاوى الإخوان المتشددة تهدف إلى جلب الأنصار، وتحقيق الشعبية، من خلال تضليل الناس وإلغاء عقولهم من التفكير. ولجعل مواقفها و توجهاتها السياسية تبدو وكأنها تمثل الدين والعقيدة، تقوم جماعة الإخوان المسلمين بتوظيف الدين الإسلامي بصورة بشعة مع تعمد الخلط بين الديني والدنيوي والثابت والمتغير. وقد ظهر ذلك جليا من خلال إصرارها على رفع شعار \"الإسلام هو الحل\" في حملاتها الانتخابية وكأنها هي الوصي على الإسلام دون سائر المسلمين و كأن فهمها للإسلام هو الفهم الصحيح دون بقية المسلمين.
ان جماعة الإخوان المسلمون التي تاسست عام 1928 شكّلت الخطوة الأولى باتجاه الجيل الجديد من المتطرفين والإرهابيين. أنّ أغلب متشدِّدي الجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم لهم صلات أيدلوجية وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمون، لهذا لا نرى بان هناك داعي إلى تقسيم الجماعات الإسلامية إلى معتدلة ومتطرفة فكل هذه الجماعات استغلت أزمات الناس الاقتصادية والثقافية والسياسية ولعبت على الاحباطات الفكرية، والخواء الثقافي، والكبت العاطفي ، وتعذر سبل الرزق للشباب، لتخترق الشعوب العربية و الإسلامية في شتى المجالات و من ثم بث سمومها التي لم تخلف إلا الصراعات و الفوضى و الانقسامات ولم تنشر إلا التعصب و الكراهية و الطائفية و المذهبية المقيتة.
فعبر الفتوى تحاول جماعة الاخوان المسلمين مصادرة حق المواطنين في التفكير وصناعة المواقف واتخاذ القرارات، وعبر الفتوى يرمى كل مخالف لها بأنه خارج عن \"الشريعة\" خارج عن \"العقيدة\" ومخالف لأوامر الله ورسوله عليه الصلاة و السلام .
فقد برع الإخوان المسلمون في إصدار الفتاوى الشرعية التي تناسب توجههم الحزبي عبر علماء تابعين لهم من خلال تفصيل الدين الإسلامي على مقاس مقاصدهم ومصالحهم السياسية . فحين يقرر الإخوان المسلمون مقاطعة انتخابات ما يصدرون فتوى بتحريم المشاركة في تلك الانتخابات على اعتبار إنها عون للظالمين المزورين لذلك يجب مقاطعتها ، بينما عندما يقررون المشاركة فإنهم يفتون بوجوب الاقتراع و بضرورة المشاركة في الانتخابات مستشهدين بقوله تعالى (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه) -البقرة: 283- حاملين هذه الآية أيضا شعارًا في وجه من يدعون لمقاطعة الانتخابات.
وهكذا يتبين لنا كيف أن الإخوان المسلمين بارعون في الحيل الفقهية وتأويل النصوص لإصدار الفتاوى الدينية واستخدامها سلاحا سياسيا لتمرير مآربهم، فالشيء الواحد قد يكون مباحا اليوم ويصبح محرما غدا، وقد يصبح نفس الفعل مباح لمجموعة ومحرم على أخرى، كل هذا التلاعب يعتمد على الميول السياسية للإخوان المسلمين.
لهذا \"حرام\" على الأردنيين ( بحسب شريعة الإخوان المسلمين ) المشاركة في قوات حفظ السلام بأفغانستان وحماية شعبها من بطش الإرهابيين وظلمهم، \"وحلال\" على برهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف، العضوان في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، التحالف مع قوات الإحتلال الأمريكي على دولة أفغانستان المسلمة إبان حكم طالبان عام 2001م ودخلوهم كابول تحت حماية الطائرات الأمريكية وعلى متون دباباتها ومصفحاتها، ورغم ذلك لم تصدر جماعة الإخوان المسلمين في عمان فتوى تحرم هذا التحالف.
ولم تأمر جماعة الإخوان المسلمين ولا حزب جبهة العمل الإسلامي علمائهم الشرعيين بإصدار فتوى كتلك التي أصدروها في عمان قبل أيام تكفر الحزب الإسلامي في العراق (إخوان مسلمين العراق) بسبب تحالف الحزب مع قوى العدوان الأنجلو أمريكي على العراق المسلم! فقد رأينا قادت الإخوان المسلمين في العراق امثال الدكتور محسن عبد الحميد والدكتور صلاح الدين بهاء الدين أعضاء في مجلس الحكم المؤقت المعين من قبل قوات الإحتلال بالإضافة إلى مشاركة حاجم الحسني، عراب مشاريع بريمر، الذي تم تعيينه من قبل الأمريكان رئيساً للجمعية الوطنية العراقية! ولا يزال طارق الهاشمي، الذي صار نائاً لرئيس الدولة، متحدياً مشاعر المسلمين بسبب مشاركته في الانتخابات التي شرعها الاحتلال الأمريكي لتحسين صورته ولتقزيم المجاهدين ومحاصرتهم وتشويه صورتهم! ورغم هذه الجريمة التاريخية الكبرى التي اقترفها ولا يزال يقترفها الحزب الإسلامي لم تصدر قيادة الإخوان المسلمين في عمان فتوى تكفر إخوان مسلمين العراق، ولا حتى بياناً جامعاً مانعاً حاسماً يتبرأون فيه من الحزب الإسلامي وقيادته ويستنكرون دخول هذا الحزب في تحالف مع الأمريكان والبريطانيين من اجل احتلال العراق.!؟