زاد الاردن الاخباري -
رغم الكثير من البريق الذي فقده في عصر الإنترنت وثورة الاتصالات ومزاحمة الفضائيات، ما يزال المذياع قادرا على اجتذاب عشاقه ومستمعيه من شتى الفئات العمرية.
وجمهور الإذاعات أضحى عريضا وممتدا، ولا ينحصر الاستماع إليها على طبقة من دون أخرى، وخصوصا بعد أن تزاحمت وأخذت تتنافس لتحقيق مكانة لها على الساحة.
وبمجرد أن يقل أحدهم سيارته، يضع يده مسرعا على جهاز المذياع خاصته للبحث عن محطته وبرنامجه المفضل، فصار الأثير الإذاعي مع الأيام رفيق الذاهبين إلى أعمالهم وطالبي العلم، وصديق ربات البيوت وهن منهمكات في شؤون المنزل، والمخفف من عناء العامل الذي يضرب بفأسه الأرض وغيرهم كثيرون.
الستينية أم خالد، التي لا يحتمل صبرها عناء البحث على خريطة شبكة الإذاعات الآخذة بالتزايد، أصبحت تعرف أين تدير قرص مذياعها لتضعه على البرنامج الذي تحب.
وما إن يغادر النوم عيني أم خالد حتى تسرع إلى المذياع المركون في إحدى زوايا غرفتها، والذي تربطها به علاقة حب وعشق منذ زمن بعيد، لتستمع عبر الأثير لبرامج تخص الأسرة والأبناء والمجتمع.
ورغم فارق الأعوام بين أم خالد وريم، التي تبلغ من العمر ستة عشر عاما، إلا أن هوايتهما متشابهة على صعيد الاثير الإذاعي، إذ تفضل ريم الاستماع إلى برامج معينة عبر المحطات الإذاعية، فتقول "أتابع البرامج التي تتحدث عن قضايا الشباب، إضافة إلى البرامج التي تطرح المشكلات العاطفية، وتشرك المستمع بتقديم النصح لصاحب المشكلة".
وخدمة الراديو الموجودة في هاتف ريم أصبحت تمكنها من الاستماع إلى ما يحلو لها من أغان منوعة تبث في الفترات المسائية، على حد قولها.
مذيع برنامج "أغاني على بالي" على محطة "فن إف إم" بدر الآغا، يبين أن الإذاعة وما يبثّ عبرها من برامج تلقى إقبالا من مستمعين جدد من جميع الفئات العمرية والمجتمعية بشكل دائم، مشيرا إلى أنها وسيلة إعلامية جنبا إلى جنب مع الوسائل المرئية ولها متابعوها.
وتراعي الإذاعة، وفق الآغا، تنوع برامجها وبشكل يتناسب ومستمعيها جميعا، ذاهبا إلى أن تزايد أعداد الإذاعات وإقبال المعلن على محطات الراديو دليلان على "نسبة الإقبال الكبيرة من الجمهور".
وهذا ما تؤكده مذيعة برنامج "أوتستراد" في راديو فرح الناس أريج بكار، التي تخالف مقولة "تراجع مكانة المذياع كوسيلة إعلامية"، عازية ذلك إلى "ما يجدّ من محطات وبرامج تلقى إقبالا من قبل متّصلين ومشاركين"، كما أن "هناك مستمعين يداومون على سماع الإذاعة وبعضهم يتملّص من مواعيد ليتمكن من متابعة برنامجه المفضل عبر الأثير".
وحتى اليوم "لا توجد دراسات رسمية لهيئة الإعلام المرئي والمسموع تبين نسبة الاستماع إلى الإذاعات المحلية"، وفق مديرها د. أمجد القاضي، الذي أشار إلى أن الهيئة ستجري مستقبلا بعض الدراسات والإحصاءات اللازمة، منوها إلى وجود 28 إذاعة أردنية تبث عبر الاثير المحلي منها الخاص والعام.
ويذهب إلى عدم وجود ازدحام لهذه المحطات، كونها تغطي قطاعات جغرافية مختلفة بعضها موجه للشباب وأخرى للكبار، ومنها ما يغطي السير، موضحا أن الازدحام يظهر عندما تغطي منطقة واحدة عدة إذاعات تغطي قطاعا واحدا.
وهذه الوسيلة ما تزال تحتفظ بمكانتها ومستمعيها، وفق قول اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي، الذي يشير إلى عوامل أسهمت في زيادة الإقبال على سماع المذياع كوجود محطات جديدة، بالإضافة إلى تخصص البعض منها بمواضيع معينة تلقى إعجاب مستمعين من مختلف الأعمار والاهتمامات.
وأسهم التطور التكنولوجي كتوفير خدمة الراديو في أجهزة الخلوي وبث المحطات عبر الانترنت، فضلا عن وجود الراديو في السيارات، في رأي الخزاعي، في تسهيل عملية التواصل مع الإذاعات وما تبثه من برامج في أي وقت وفي كل مكان.
سائق التاكسي أبو ماهر يرى في الراديو "وسيلته الوحيدة للتسلية والترفيه التي يعتمد عليها هو وزملاؤه في المهنة"، مبينا أنه صديق دائم للبرامج الصباحية تحديدا، وخصوصا التي تبث الشكاوى والمتخصصة بالتوعية المجتمعية.
"الراديو بات ونيسي في ساعات عملي الطويلة"، بحسب أبو ماهر، الذي يهوى حفظ ترددات المحطات الإذاعية ويفضل بعضها، فهو متابع لإذاعة "أمن إف إم" ومونتي كارلو والـbbc وفن إف إم، ومستمع جيد للبرامج الحوارية والأغاني القديمة التي كان يسمعها أيام شبابه.
وتعرضت الإذاعات في فترة من الفترات إلى انخفاض مستوى الاهتمام فيها بعد ظهور التلفاز، يقول أستاذ الإعلام في جامعة البترا الدكتور تيسير أبو عرجة، مؤكدا أن المجتمع عاد يشهد اهتماما جيدا بها لما توفره من برامج متعددة تصل إلى المستمع على اختلاف فئاته العمرية واهتماماته وذوقه وفي أوقات يتاح للشخص متابعتها "وخصوصا أنها تعتمد على حاسة السمع وهذه ميزة للراديو".
ولخبرات المذيعين الشباب دور كبير في جذب المستمع، من وجهة نظر أبو عرجة، مؤكدا أن المنتسبين للإذاعات حاليا يتمتعون بخبرات جديدة في هذا المجال "كما أن مزج الأخبار بالترفيه والفكاهة وطرح القضايا المحلية كلها أمور وفرت للإذاعة مساحة مرموقة في سوق الإعلام".
في حين يؤكد القاضي أن الهيئة تقوم بمتابعة بعض المحطات الاذاعية في حال كانت هناك تجاوزات معينة للعمل على معالجتها فورا أو بإحالتها إلى القضاء.
ويشكل الصوت بصمة خاصة للإنسان تنطبع في ذاكرة المستمع وتلفت انتباهه وتجذب حواسه، وفق خبير مهارات الاتصال والقيادة الشخصية ماهر سلامة، الذي يؤكد أنه في حال كانت مبهجة، فإنها تلقى تقبلا في وجدان المستمع، والعكس صحيح، رائيا أن هناك طرقا معينة "لتمرين الصوت لانتقاء الطبقة المناسبة وتجنب المزعجة أو الحادة، وهذا ما تعتمده الإذاعات في اختيار مذيعيها".
وفي السياق نفسه، يبين اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب، أن الصوت أول مدخل لمشاعر الإنسان ضمن حواسه الخمس، لافتا إلى أنه كذلك مدخل رئيسي للمعلومات التي تشكل أفكار الفرد وآراءه، وأنه من العناصر المهمة التي تؤثر سلبا أو إيجابا في المتلقي.
الغد