اقترح أحد الإخوة الأفاضل فكرةً للحديث ، فتشوقت لطرحها - بعد إذنه طبعاً - ، خاصة أنها منتشرة بكثرة فيما بيننا، وهي تحت عنوان ( لماذا نكره بعضنا ؟؟ ) ، فهل حاولنا – ولو لبرهة – أن نفهم أسباب هذه الحقيقة المروعة والتي باتت تنتشر بكثرة في مجتمعاتنا ؟؟
فطر الله تعالى النفس البشرية على الخير والنور ، وعلى الهداية وحب الإنسان لأخيه الإنسان ، وجعل هذا الأمر هو الوضع السويّ ، وغيره من الأوضاع هو الوضع الشاذ الفاسد. فالمفاهيم الطيبة مصدرها الله تعالى ، وهو يدعونا دوماً إلى تفعيلها وتذكرها وعدم السماح لقوى الشيطان وشره أن تتغلب على إيماننا والخير الموجود في نفوسنا ، فيطلب منا أن نكون وحدة واحدة متماسكة ، كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً ، فيما يحذرنا من التفرق فيما بيننا ، لأنه حسب ما يقول المثل : الذئب يأكل من الغنم ..الشاردة !!
وقد تفاخر الشيطان أمام سيد الخلق محمد عليه السلام ،أنه يجري في ابن آدم مجاري الدم في العروق ، فيوسوس له ليبعده عن الخير ، ويجمّل في عينيه المعاصي وسيء الأخلاق ، فيدعوه للبخل والكراهية والقسوة والمعصية وحب المال وعدم مساعدة الملهوف ويفتنه عن أخلاقه كلها ، فإن استجاب الإنسان له فقد دخل دائرة الخطأ ، ومارس هذه الأخطاء ، وإن عاد وتاب وأناب فقد غلب الشيطان والذي سيحاول معه من جديد ، فيما هناك من يكفون الشيطان مشقة الإيقاع بهم بعد أن وقعوا أول مرة ، فيصبح الشيطان تلميذاً صغيراً بالقياس لكمّ الشرور الذي يحملونه في أنفسهم .
مشكلة ابن آدم أنه يعرف عدوه جيداً ، لكنه يستهين به ، رغم أن رب العزة قال : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )
وهذا يعني أن مقاومته تسهل لمن يتوكل على الله ، فقد أضاف تبارك وتعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ، إذاً هي قوة الإرادة ، من ناحية ، والتوكل على الله كبداية من ناحية أخرى .
طبعاً هناك أسباب كثيرة نمارسها كطقوس كراهية فيما بيننا ، كاختلافنا الديني مثلا، أو اختلافنا بين دولة عربية وأخرى ، وننسى أننا كنا أمة واحدة حتى فرّقنا الاستعمار ، فساعدناه على المزيد من التفرقة ، ليسهل عليه الأمر. حتى تجد أبناء الوطن الواحد في محافظاته يتعاملون وكأنهم ليسوا من ملة واحدة ولا دين واحد ، فيتشرذم الناس وينقسمون أحزاباً يصعب جمعهم!! تفرّقنا مباراة في كرة القدم ، فأيّ فخرٍ نرجو إيجاده تحت الأقدام يا ذوي البصر والبصيرة ؟؟
كل منا يرى نفسه أفضل من جميع الناس ، والأحق منهم بكل الخير وحده ، علماً بأن الخير يعمّ ويزيد لو تشاركنا به ، وقديما كانت الأمثال تعكس طبيعة النفس البشرية الخيّرة ، فتدل على خير التواجد مع الجماعة ، مثل : ( أكلة هنية تكفي 100 ) في دلالة على مشاركة الأهل والجيران الطعام حتى لو كان قليلاً ، وحتى المثل القائل ( الموت مع الجماعة رحمة ) ، تخيلوا ؟؟ لهذه الدرجة، حيث يتعاون الجميع على تصبير بعضهم ويتعاضدون فيطرح الله البركة في رزقهم وحياتهم. أما الآن فقد باتت المفاهيم أنانية وفردية ومليئة بالدعوة إلى الشر ، حتى أنهم باتوا يبررون للأب والأم أن يهجروا أبناءهم أو يتخلوا عنهم بأمثال سخيفة مثل ( لو جاءك الطوفان .. ضع ولدك تحت قدميك ) فهل هنـاك أنـانية أكبر من هذه ؟؟ ألم نعلم فيما مضى أن الأم والأب هم أحن الناس علينا ؟؟ فكيف نراهم الآن وهم يزهقون أرواحنا ليعيشوا ويكنزوا المال .والأخ يكره أخيه ويغار منه ويتمنى له السوء ، ولا يهتم بحياته وحياة أولاده لو جرى له مكروه. نعم ، ننسى دومـاً أننا أُكِلنا يـوم أُكل الثور الأبيض !!
إذاً هناك محاولة قوية من كل اتجاه لإفساد الأخلاق العامة ، ولكن ، ما دمنا نستفتي قلوبنا وندرك أن حب الله ورسوله هما أول ما يهمنا ، وطاعة الله وكتابه ما يجب علينا الاسترشاد به ، عندها ندرك أن أخلاقنا يجب أن تكون منهم أيضاً . أخلاقنا يجب أن تشمل الصدق والأمانة وعدم المحاباة وإعطاء كل ذي حقه ، وحلاوة اللسان والتأدب مع الناس ، وعدم النفاق الاجتماعي لتتقرب إلى الناس زلفى ، وترك الحسد والغيبة والنميمة ، وتمني الخير للناس كافة ، وصلة الأرحام وعدم التكبر على خلق الله ، وأنّ المال لله وحده ، هو أمّننا عليه واستخلفنا فيه ، فهو أمانة بين أيدينا وليس ملك لنا ولسنا عبيداً له، وعلينا أن نؤدي حقوق الله والناس فيه كالزكاة والصدقة وإغاثة الملهوف وإعانة ذوي الكُرَب وحق اليتامى والمساكين والأسر الفقيرة علينا كمسلمين. وأنا لا أدعي المثالية ، بل إنني أحاول أن أوجه الأصابع حيث يتمكن كل امرئ منا ، من عمل شيء ما في الجانب الذي يراه مناسباً له وقادراً عليه.
لنعد يا إخوتي إلى حب بعضنا ، فأقوى الروابط هي حب الإنسان لأخيه الإنسان ، ولا ننسى أننا كلنا إخوة ، فأبونا آدم وأمنا حواء ، فلا نترك الشرور تستعدي على هذه العلاقة ، ولنبدأ بأسرتنا الأقربين ، فنعلمهم حب الخير للجميع ، وحب الناس ، وترك الأحقاد والنقائص ، حتى يعم الخير والبركة ، وننتصر على شياطيننا . ودمتم بكل خير.
nasamat_n@yahoo.com