هنا عالم كامل , عالم من الافراح والاحزان , عالم من الاوجاع التي تنتهي بافراح وعالم من الآلام التي تنتهي بآلام ..عالم مليء بالقصص والحكايا , حكايا العشق وحكايا الشوق وحكايات واقعية سيخطها من هم للتو قد ولدوا وبولادتهم بداية الحكاية ..حكايات من الامل وخيبة الامل ..هنا في المشفى..
المشفى مكان بدء الحياة ومكان نهايتها , ها هم المرضى يوزعون على غرف ,انتظر دوري وانا احمل بيدي نرجسة اصابها الذبول , اكمل اجراءات الادخال ,ابحث عن قسم الاطفال , اشاروا لي انه في الطابق الثاني ,وضعت نرجستي (تيا ) ترافقنا الممرضة وننتظر الطبيب , وبكاء تيا يملأ المكان , خرجت بعد ان ضاق صدري منضما الى من يتوسدون الامل ,وصل الطبيب , نحمد الله بأنه طمأننا , وبدأت اجراءات العلاج ,ابدد الوقت في التنزه بين الغرف والممرات ,اصل لنهاية الممر , ارى اطفالا ولدوا للتو ,ارواحا طازجة هنا,اجسادا طازجة قد بثت فيها الحرارة ,وجوه بريئة هي اول الحكاية ,بعيون ملأى بالدموع تتم مراقبتهم , يقوم ذووهم بالنظر اليهم تعتريهم اطنان من السعادة , اعود لأطمأن على (تيا ) اداعبها ,الاعبها ,احاول اطعامها ..الا انها تأبى ..ويعتريني القلق من جديد , ابحث عن مكان للتدخين , امشي في الممرات من جديد , اسمع قصص غرام تحكى على الهاتف ,مشاجرات على الهاتف , صفقات على الهاتف , معاتبات على الهاتف , فتلك الكنة لم تبقي ولم تذر من الكلام (المشفر) على حماتها وهي تهاتف (سلفتها ) عن عدم مجيء الاخرى لزيارة امها في المشفى , انزل الى الكافتيريا اتناول قهوتي اشعل سيجارتي ,انظر الى طابق التسوية وارى سيارة نقل الموتى تخرج من باب المشرحة , انه الموت اذا ,دموع من جديد , متشابهة بالشكل مختلفة في المعنى , دموع على من قد رحلوا للتو ,دموع على أرواح طازجة للتو قد خرجت الى بارئها ,لكنها ابقت خلفها اجسادا مجمدة مكانها تحت الثرى ,مهاتفات من جديد لترتيب مراسم الدفن والعزاء وأمور اخرى, وانا المعلق بالطابق الاول بين من يدخلون الدنيا وبين من يخرجون منها , اذهب الى باب المشفى لاشتم بعض الهواء ,داعيا الله ان يشفي لي (تيا) , يقاطعني احد العاملين (عامل النظافة ) طالبا مني (ولاعه ) ..يشكو الاخر همه ,غير راض عن طبيعة عمله ,واسأله عن عدد ساعات عمله ,ويجيبني متحفزا بسؤال: لو كان عندك (حمار ) كم ساعة ستدعه يعمل ؟ فابتسمت ..وعاد ليكرر السؤال بالحاح ..فاجبته ..ثماني ساعات تقريبا ..فرد بصيغة الاستغراب (يعني انا حمار ونص \") واخذ يردد الجملة على شكل اغنية ومضى في سبيله ..اعود الى الطابق الثاني ,اطمأن على صغيرتي واحمد الله بأن امورها تسير على ما يرام ..لمدة خمسة ايام بين ترقب وقلق وامل ودعاء ,اجوب المشفى ,ارى الحياة وارى الموت ,اسمع انين المرضى ,الامل بالشفاء,الجهد والعناء الذي يقوم به الممرضون والممرضات,قلق الاهل ومعاناتهم وفرحتهم بعد شفاء احبتهم ,بكاء وعويل على اناس لن يعودوا الى منازلهم ,ادركت كم ان الحياة مليئة بالتناقضات والمفاجئات ,وكم ان الحياة تستحق منا الكثير لنحياها فنحن الحكاية التي بدأت والتي في اي لحظة لا بد من نهايتها ..فلنكن حكاية جميلة تترك اثرا وعبرة لدى الاخرين ..