الفتوى التي خرج بها الإخوان حول تحريم إرسال قوات أردنية إلى أفغانستان تحتاج إلى التدبر والتمحيص ، فالقوات الأميركية ليست محتلة بالمنطق السياسي للاحتلال ـ بل ان لها وجود كبير في ارض كانت ولا زالت وكرا لمدبري عمليات القتل والتخريب التي جرت او ستجري في بلادهم فكان لا بد من تطويق ذالك التنظيم وحصره في موقعه والحد من تسلله إلى الخارج ، لأن الهدف ليس الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبية فحسب بل وصلت عمليات القتل والتخريب إلى عدة عواصم أوروبية وأسيوية وعربية كما جرى في الرياض في مايو 2003 وعمان 2005 ومسلسل القتل والتفجير العشوائي في بغداد والمدن العراقية طالت حتى المساجد و أئمة المساجد المعتدلين في العراق ،وقد لاقت تلك العمليات الإدانة واللعنة من قبل العالم الإسلامي الذي اعتبر تلك العمليات تشويها حقيقيا لصورة الإسلام السمحة نتج عنها ردود فعل غاضبة أثارت حفيظة البعض لتشويه صورة النبي عليه السلام واعتباره مرجعية تلك العمليات التخريبية !! وكذلك ما آلت إليه مآذن المساجد في سويسرا والتضييق على العمل الإسلامي بقوانين ظالمة وغير عادلة بحق المسلمين في مختلف بقاع العالم .
وبعيدا عن موقف الجماعة المشين حينها و الذين شاركوا في عزاء مدبر تفجيرات عمان أبو مصعب ألزرقاوي واعتباره رمزا في الجهاد مخالفين بذلك عوام الأردنيين في نصر حققته أجهزة الأمن الأردنية بملاحقة المجرم والنيل منه بالتعاون مع أجهزة الأمن الغربية الإ أن مسلك الإخوان لم يكن ليرضي الناس بل وبات كاللحن النشاز وسط اوركسترا الإجماع الوطني على حماية الوطن واستقراره وحماية أرواح الناس ومنع تسرب تلك العمليات الى بلادنا وملاحقة من يعتنقون فكر الجهاد التكفيري الغريب والدخيل على قيمنا ورسالتنا السمحة .
يبدو أن فتاوي الإخوان تحددها الظروف والمعطيات على الأرض وليس وفقا للشريعة ، فمشاركة الأردن بقوات حفظ السلام في مختلف دول العالم ومنها أفغانستان كانت تسير منذ سنوات ولم نسمع بتلك الفتاوى إلا هذه الأيام التي يعاني فيها الإخوان من تحديات تطال وجود الحركة نفسها .
حتى لو تعاظم الدور الأردني واضطلع بدور استخباري وأمني رفيع فتلك مهمة وطنية وإنسانية في الدرجة الأولى قد لا يعيها البعض لكنها تعني اطلاع الأردن مباشرة على ما يجري هناك والانتقال من مرحلة تلقي المعلومة من قبل الأجهزة الغربية إلى معرفتها مباشرة من خلال الاطلاع على توجهات قادة القاعدة من مختلف المصادر المتوفرة هناك فيما يتعلق بمخططاتهم وتوجهاتهم التخريبية المستقبلية في الأردن وغيره والعمل لإفشالها وتطويقها قبل وصولها إلى بلادنا والتي لو وصلت ونجحت لطالت حتى الرموز الدينية داخل حتى تنظيم الإخوان نفسه وتجربة العراق ومصر شاهدة على عمليات القتل الذي نفذتها القاعدة بحق المعتدلين من رموز الحركات الإسلامية وهم على منابرهم أيام الجمعة !!
محاربة القاعدة وإفشال مخططاتها بل وتدميرها ليس هدفا أمريكيا وغربيا فحسب ، بل بات هدفا إنسانيا وعالميا تجتمع فيه دول العالم بمختلف أجهزتها لتطويقه وتدميره في عقر داره ومنبته لأنه في الأصل لم يدع احد من شروره في العالم باستثناء مصالح العدو الإسرائيلي التي لم يقترب ولن يقترب منها ابن لادن وتنظيمه لأسباب لا زال العرب والمسلمون يجهلونها حتى الآن ! ومن هنا فأن إصدار تلك الفتاوى مبني على أسس تتعلق بظروف الحركة الإسلامية في الأردن وما تعانيه من تضييق واضح على مسيرتها وعملها وتكبيل مؤسساتها الاقتصادية وحرمانها من المشاركة بمؤسسات الدولة الأردنية الديمقراطية بفعل قوانين وتعليمات متخلفة تصدرها الحكومات للحد من عملهم وانتشارهم في المجتمع الأردني ، ودون ذلك فلا مبرر للفتاوى أصلا ولو أمعنوا النظر بها لما أصدروها بالمطلق ، لكنها فتاوى تتعلق بأزمات متعددة تعيشها الحركة لا بد من تصديرها إلى الخارج وإرسال رسائل إلى الحكومات تطالبها بتخفيف القبضة عن عملهم ومؤسساتهم ، وإلا فان إطلاق مثل تلك الفتاوى سيستمر في كافة المناحي والمنازلة لم تنتهي بعد !! وغدا لا ندري ماهية الفتوى القادمة التي سيحررها الإخوان من فكر التنظيم والتي قد تتعلق مثلا بتحريم العمل في مؤسسات الدولة نفسها او المشاركة ببناء مؤسساتها الديمقراطية !! لا ندري بعد ، فتضييق الخناق على القطط يجعلها أكثر وحشية وأكثر تخبطا !!