زاد الاردن الاخباري -
تناولت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وتحدثت عن مدى كون مقتله يبث الرعب في نفوس المعارضين في الدول العربية.
ويقول المقال التحليلي الذي اشترك في كتابته كل من هبة صالح وسيمون كير وأندرو إنغلاشند، إن مقتل خاشقجي لا يخلو من التبعات السلبية على المناخ السياسي العام في الدول العربية، فقد كانت هذه الجريمة السعودية بمثابة رسالة للمعارضين داخل هذه البلدان مفادها أن المبالغة في انتقاد النظام يمكن أن تودي بحياة صاحبها.
وتشير الصحيفة إلى أنه من الواضح أن مقتل خاشقجي يعد دليلا آخر على حملة القمع التي يشنها بعض الحكام العرب الذين لا يرغبون في قيام انتفاضات مماثلة لما جرى أثناء الربيع العربي في 2011، التي كانت بمثابة أمل لبزوغ فجر جديد للديمقراطية.
غير أن حكام كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر يستهدفون منتقديهم من خلال اتخاذ إجراءات استبدادية وقمعية بشكل متزايد، وذلك في ظل التحديات والصعوبات التي واجهت هؤلاء الحكام قبل سنوات.
قمع وسجن وقتل
وتعتمد كل من مصر والبحرين نظاما قائما على قمع الصحفيين وسجنهم، بالإضافة إلى إلقاء القبض على الآلاف من الناشطين والمعارضين، كما جرى اعتقال العديد من المحتجين الذين طالبوا بحرية التعبير أيضا في كل من السعودية والإمارات، وسط فرض مجموعة من القوانين التي تهدف إلى التحكم في الفضاء السيبراني في المنطقة نظرا لما تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في إشعال فتيل الانتفاضات.
في شأن ذي صلة، يفيد خالد البلشي المحرر المصري بأحد المواقع التي حجبتها سلطات بلاده، بأن "عملية قتل خاشقجي تبث الخوف لأنها تكشف إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الأنظمة القمعية، حيث كان الناس في الماضي يظنون بأن هناك حدودا للقمع".
ويشير البلشي إلى الطريقة التي تعاملت بها أغلب وسائل الإعلام المصرية مع جريمة خاشقجي، التي تجاهلت القضية في البداية، ثم ركزت على الدفاع عن المتهمين بالقتل فقط عوضا عن الضحية.
وفي هذا السياق، أثنى العديد من حلفاء الرياض في الخليج والأردن على حكام المملكة، ودعوا إلى إجراء تحقيق سعودي تركي مشترك كدليل على الشفافية، غير أن الحكومات الغربية عبرت عن شكوكها المتزايدة إزاء التفسيرات المتأخرة التي قدمتها السعودية بخصوص مقتل خاشقجي، في حين وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضية بأنها "الأسوأ على الإطلاق".
عوامل توجس وذعر
ويشير المقال إلى تنامي شعور عدد من النشطاء بالتهديد، وذلك بعد تراجع اهتمام الغرب -وخاصة الرئيس ترامب- بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان في المنطقة، وهو الأمر الذي شجع القادة العرب على سحق وقتل خصومهم ومعارضيهم.
وينسب الكُتاب إلى سيد الوداعي -وهو معارض بحريني ومدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية في لندن- القول إن "مصدر كل هذا القمع حدثان مهمان، أولهما عدم اهتمام ترامب بحقوق الإنسان، وثانيهما أجندة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وكان الوداعي قد غادر البحرين في 2012 بعد إلقاء القبض عليه أثناء القمع الوحشي للمعارضة على خلفية الانتفاضة السياسية في 2011، حيث قضى ستة أشهر في السجن. وصرح الوداعي بأن السلطات البحرينية روّعت وآذت أفراد عائلته بسبب نشاطه، ولا يزال ثلاثة من أقاربه، بما في ذلك حماته، مسجونين في البحرين.
وتنسب الصحيفة إلى الوداعي تصريحه بأنه على الرغم من السلوك المتسلط لولي العهد السعودي محمد بن سلمان -الذي يزعم البعض أنه أمر بقتل خاشقجي- فان ابن سلمان قدم نفسه للغرب بوصفه مصلحا يرغب في تنفيذ أجندة إصلاحية في البلاد. وفي هذا الصدد، قال الوداعي "إذا كان الجميع يرون ولي العهد كشخص رائع لأنه سمح للسيدات بالقيادة، فإن هذا يعود إلى نية واضحة لخداع الناس وجعلهم يرون ما يريدون رؤيته".
انتهاك وتهميش
وتوضح الصحيفة أن النظام السني البحريني اتُهم منذ سنوات بارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان وتهميش الشيعة في حملة القمع التي وقعت بعد انتفاضة 2011. فقد تم سجن نحو 3000 سياسي، كما تم تجريد مئات الأشخاص من جنسياتهم.
من جهتها، أصدرت الإمارات أحكاما بالسجن بحق إسلاميين ونشطاء حقوق إنسان طالبوا بإجراء إصلاحات ديمقراطية، كما سنّت مجموعة من القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية.
وأصدرت الإمارات في وقت سابق من العام الجاري حكما بالسجن لمدة عشر سنوات بحق الناشط بحقوق الإنسان أحمد منصور بتهمة اتهام الإمارات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمت محاكمة ماثيو هيدجز، وهو أكاديمي بريطاني، في أبو ظبي بتهمة التجسس لصالح حكومة المملكة المتحدة، وهي حليف وثيق للإمارات، حيث أمضى أكثر من خمسة أشهر في الحبس الانفرادي.
إجراءات صارمة
أما مصر، التي تتمتع بدعم قوي من السعودية والإمارات، فقد اتخذت إجراءات صارمة ضد المعارضة منذ انقلاب 2013، الذي أطاح برئيس إسلامي منتخب. والجدير بالذكر أنه تحت حكم عبد الفتاح السيسي، الرئيس والقائد السابق للجيش، تم سجن الآلاف من قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمون. كما سجنت السلطات منتقدي النظام العلماني، بما في ذلك المدونون والناشطون، الذين يواجهون اتهامات تتمثل في نشر أخبار كاذبة والتعاون مع الجماعات الإرهابية. ومؤخرا، تم اعتقال الكاتب عبد الخالق فاروق بسبب انتقاده اقتصاد البلاد في كتابه الجديد.
ويأمل كثيرون أن يكون مقتل خاشقجي سببا في تعزيز حرية التعبير عن الرأي، حيث يقول سعد الفقيه، وهو معارض سعودي يعيش في لندن منذ 1994، إن الأزمة قد سلطت الضوء على التهديد الذي يواجهه المعارضون في جميع أنحاء العالم، والذي قد يؤدي في النهاية إلى الحد من النهج الاستبدادي، الذي تتبعه الرياض.
ويضيف الفقيه "قد تفتح هذه القضية الباب أمام حدوث تغيير كبير في البلاد، حيث سيكون بإمكان المعارضين العودة إلى بلادهم أو سيوافق الحكام على إعطاء مساحة أوسع لهم للتعبير عن آرائهم".
المصدر : الجزيرة,فايننشال تايمز