أيمــن علــي الدولات
نصحوا كل صباح في زمن الرحمة.. نمضي نهارنا وليلنا نبحث فيه عن الرحمة!! التكشيرة عنوان صباحنا.. ورفيقة نهارنا الذي جعلناه بأيدينا أطول وأصعب وأكثر تحجراً وقسوة.. ونهاية مسائنا الذي صنعناه أقل صفاءً ونقاءً وأكثر حلكة وسواداً.. نصل إليه وكأننا انتهينا للتو من الجري في ماراثون منهك لم يتبق لنا من بعده سوى آثار لعيون جاحظة وشفاه قتلها الجفاف.. لا جفاف الجوع والعطش بل جفاف الحب والعطف والطيبة والرحمة.. وكأننا في طريقنا لاسترداد (دينة ميتة) لا بد أن نري المدين فيها العين الحمراء حتى نتمكن من تحصيل ديننا.. فهل هذا هو زمن الرحمة والمحبة الذي عشناه يوماً؟! الزمن الذي يتوب فيه العاصي ويعود فيه الغائب العنيد إلى يدي ربه وحضن أمه ؟! هل هذا هو الزمان الذي كنا نكتشف عند جلوسنا للغداء أو للعشاء فيه (زمـــــــــان....) أن مائدتنا تحوي عشرة أصناف من الطعام نحتار أيها نختار مع أن أمهاتنا لم تقترف سوى طبخة يتيمة (على قد الحال) هي كل ما استطاع آباؤنا توفير مستلزماتها التي كانت في ذلك الوقت كطريقة لعب الأهلي في أيام عزه (سهل ممتنع)؟!
الزمان الذي كانت تطبخ كل يوم فيه أصناف بعدد الجيران في كل بيت من بيوته؟! الزمان الذي كان الناس فيه شركاء في الماء والنار والكلأ؟! هل هذا هو الزمان الذي كنا نبحث بين طياته عن أية فرصة سانحة لاسترضاء أرحامنا التي غضبت أو عتبت يوماً؟! سواءٌ أأغضبناها حقيقة أم أن غضبها جاء فقط من باب معرفة مقدار الغلاوة؟! الزمان الذي كانت فيه الأم هي سيدة الأحباب والأخت غالية الغوالي وحتى العمة والخالة والجار والجارة كانوا جميعاً فيه عناويناً للحب والمروءة والكرم والإيثار والعطف والرحمة؟!
يرتفع سعر سلعة فنهجم عليها بكل أسلحة الدفش والهبش واللبش والرفش والشد والمد والصد والجرد والعض والرض التي أوتيناها للحصول عليها.. واحتكارها دون غيرنا وكأنها حليب الأم الذي لا غنى عنه لرضيع جائع!!
نقف على إشارة ضوئية وما أن يتحول اللون إلى الأصفر حتى يبدأ سيل الشتائم ينصب على رأس صاحب الحظ التعس الذي شاء قدره المحتوم أن تكون مركبته في المقدمة.. ومع اقتراب نهاية اليوم الذي بات مرعباً لكل ذي لب -وما أقلهم- تزداد ملامح الغضب وحدتها على وجوه عباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً.. ويوشك بعضهم أن يحمل مركبته فوق رؤوس عباد الله الذين هم بمحض الصدفة أيضاً من بني البشر كمثله تماماً.
نصل بيوتنا بستر الله ورعايته فقط ونجلس وسط عائلاتنا بكل براءة الدنيا نسمع صوت الأذان بحواسنا لا بقلوبنا ثم نمضي إلى صلاتنا ونسجد بين يدي بارئنا متناسين أن لنا أماً أو أباً أو أخاً أو أختاً أو قريباً أو جاراً.. لا يجد ما يسد به رمقه وصغاره وفي نفس الساعة نتمتع بملذات ما نملك متناسين أن الله هو وحده الرزاق.. ثم ندعوه ضارعين أن يغفر لنا ويتقبلنا رغم عقوقنا.. وننتظر بخبثنا وسذاجتنا وبراءتنا وكل ذنوبنا أن يستجيب الله دعائنا.. فكيف يفعل ما دمنا عن رضاه وطاعته غائبين ولحب أحبائه متناسين ؟!