في الآونة الأخيرة تسارعت الفعاليات والاجتماعات للعديد من الشخصيات الفلسطينية والهيئات والتجمعات الفكرية ، وبرز ذلك بعد التأكد من انهيار محادثات السلام وما رافقه من وضوح الاصطفاف الأمريكي الكامل بجانب الكيان الصهيوني بالإضافة إلى تحول التناقض الثانوي بين قطبي المعسكر الفلسطيني في الداخل إلى تناقض رئيسي .
ورغم أن الأهداف المعلن عنها في هذا الحراك واحدة إلا أن السمات الغالبة عليه كانت عدم التنسيق المشترك بين أطيافه والتناقض العملي في برامجه والعداء المعلن أحيانا ونلخص هذه التجمعات الوطنية وفعالياتها الحديثة بما يلي:
أولا – حراك الهيئة الوطنية لحماية الثوابت الفلسطينية .
حراك مستقل نظريا عن التنظيمات الفلسطينية وان تأسس من أعضاء لهم تاريخهم التنظيمي بالإضافة إلى القوميين والمستقلين ،كانت إحدى ثماره الأخيرة اجتماع ما يسمى اللجنة القيادية السرية للهيئة الوطنية لحماية الثوابت الفلسطينية في دمشق حديثا .
كان هذا الاجتماع امتدادا للقاء بيروت التشاوري الذي سبقه بشهور وكذلك أحياءا للمؤتمر الوطني الفلسطيني ( الرديف ) الذي انعقد في دمشق 1996 كرد من الممانعين في قضية أوسلو على المؤتمر الوطني الرسمي الذي عقد في نفس الوقت في غزة لتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور كلينتون .
وهذه المجموعة المواصلة للعملية الرديفة والمناكفة فكريا للسلطة مكونة من شخصيات فلسطينية لها وزنها وتملك عدة أطياف سياسية مثل عزمي بشارة ومنير شفيق وسلمان أبو ستة وحلمي البلبيسي وبلال الحسن والعديد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية بما فيهم من ممثلين مغتربي أوروبا من الشخصيات الوطنية الفلسطينية ،وانتهى فعليا هذا اللقاء أو المؤتمر بقرارات من أهمها تشكيل لجنة تأسيسية مع الترتيب للقاءات أخرى وقدر لاحظ المتابعين لهذا المؤتمر والاجتماع انه وللأسف تميز بالفوضى والانقسام الداخلي وتبدل (الرئاسة والهيئة الرئاسية ) وتعدد الناطقين الإعلاميين لهذا الحراك ، بالإضافة إلى انسحابات جماعية لممثلي أوروبا وبعض الشخصيات الفلسطينية المقيمة في دول الخليج العربي.
ثانيا – حراك فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الداخل
حيث شهدت الأسابيع الماضية وبنفس الوقت الذي كان فيه حراك الهيئة الوطنية لحماية الثوابت الفلسطينية تعمل على تأسيس قيادة للهيئة في دمشق وبيروت كانت قوى منظمة التحرير الفلسطينية تعمل على بلورة لمجموعة من الأسس والعناصر السياسية والتنظيمية لتعزيز مكانة منظمة التحرير وإعادة الاعتبار الكامل لها لمواجهة التحديات المستحقة بفعل فشل عملية السلام ،كما شهدت هذه اللقاءات والمشاورات البحث في الوسائل المطلوبة لأجل ترسيخ وحدة مؤسسات المنظمة وتفعيل الدور التنظيمي لعناصرها ضمن إطار الوحدة الوطنية الشاملة والشراكة المسئولة .
وقد أسفر التشاور المركز والمحدد بإطار الصالح العام عن عدة قرارات كانت مطالب عامة وآمال وبنود عملية للبحث في البدائل المتوفرة والتركيز على الوحدة الوطنية والتنسيق المتواصل ، وبرغم الوتيرة العقلانية التي تمت فيها هذه المشاورات إلا أن اختلال موازين القوى بين فصائل المنظمة في الداخل لصالح حركة فتح جعلت المحادثات أشبه بمحادثات داخلية للحركة .
ثالثا – حراك حماس في غزة والحراك الموازي لها من حركة الأخوان المسلمين في الخارج.
تميز هذا الحراك بالتصعيد الإعلامي المهاجم للسلطة الوطنية الفلسطينية حيث عمدت قيادة حماس في إلى تجييش أفرادها في الضفة وإملاء حالة الطوارئ والاستعداد لمواجهة السلطة في المرحلة القريبة ، وتميزت بياناتها بالترهيب الإعلامي والذي يبشر بالسقوط السريع والقريب للضفة الغربية تحت حكم حماس .
كما تم دعم هذا الحراك من قبل الأخوان المسلمين في الأردن والذين يعملون على تسويق حماس كشريك أساسي يجب التعامل معه رسميا في الأردن كطرف حكم فلسطيني يرفض التوطين والوطن البديل.
إن حراك حماس يتميز بالحراك الإعلامي المثير باتجاه السلطة فقط حيث تقوم بحشد المهرجانات والاحتفالات وتسويق الشعارات الرنانة كما عمدت أخيرا على إدامة فعاليات( كما سمتها حماس ) احتفال الانطلاقة الثالثة والعشرون لحماس بشكل مبالغ فيه في غزة وعملت على تسويق الدعم الجماهير لها .
رابعا – الحراك الشعبي العشوائي.
لاحظ المتابعين للشأن الفلسطيني ظهور مجموعة من المتحمسين الجدد بعضهم للقضية وبعضهم لانتهاز الفرص في هذه المرحلة ، حيث يعمل بعض الأفراد المغمورين سياسيا وتنظيما على أنشاء أحزاب جديدة ، وأكثر هذه المجموعات إثارة هي مجموعة أطلقت على نفسها حزب فلسطين الحر والذي يسوق نفسه كمخلص للشعب الفلسطيني .
هذا الحزب بدأ بتنصيب رئيس لدولة فلسطين، كما قام بتجهيز مجلس قيادة الثورة الثقافية كما اسماها وربما نصب وزير للإعلام... وكل هذا الكترونيا ودون وجود أي سند ايدولوجي أو أطروحات عملية لتلك الشعارات إنما قفزات لنتائج مرجوة من جميع الشعب الفلسطيني .
بالإضافة إلى ذلك ظهر إعلاميون وأكاديميون ومفكرون فلسطينيون جلهم مستقلون وبعضهم من متقاعدي التنظيمات الفلسطينية ، هؤلاء كثفوا العمل على فتح قنوات التواصل الوطني مع رموز الجاليات الفلسطينية في الشتات لحشد الطاقات الفكرية للمحافظة على الهوية الوطنية واستنباط الطرق المناسبة لإعادة اللحمة الوطنية وتكريس مبدأ العودة كحتمية مطلقة.
خلاصة:
1- الحراك المثار حاليا هو حراك قادة مفترضين وليس حراكا جماهيري ، حيث تميز الشعور الشعبي الفلسطيني بالإحباط وعدم الثقة من جميع التيارات القائمة حاليا والتي ستقوم أيضا بنفس الطريقة ، وذلك بسبب ارتباط معظم الحراكات بدول حاضنة لها تملك الأجندات الخاصة لهذه الحراكات والتي تجد نفسها تعمل تلقائيا لمجاراة الأهداف الإقليمية لهذه الدول ودعم السياسة الداخلية المتعارضة مع الايدولوجيات المقبولة فلسطينيا ، وكذلك تؤدي إلى قبول الاملاءات والتدخلات المباشرة والغير مباشرة كما حدث مع الهيئة الوطني لحماية الثوابت الفلسطينية في مؤتمر دمشق وكما يحدث مع حماس بشكل دائم .
2- حاولت الحراكات الخارجية جميعها مصادرة تاريخ الثورة الفلسطينية الشعبية وتجييرها لصالح تاريخها الجديد والعمل على التغني بما لم تبدأ به أصلا وتعجز عنه لظروف اغلبها خارجة عن إرادتها ، ذلك يستدعي العمل بمواجهة الواقع والاعتراف بانعدام الأرضية الحاضنة البريئة لأي طرح مقاومي مفترض .
3- عجزت وتعاجزت معظم الحراكات للدخول إلى العمق الفلسطيني الشعبي وذلك لإدراك الشعب الفلسطيني بملاينه الأثنى عشر بأن معظم النخب الفلسطينية الحالية قد استنفذت كل ما لديها من نضال وأصبحت تبحث عن حصاد لتاريخها أو عن تاريخ لحصادها .
4- إن المطلوب حاليا حراك شعبي شامل للتجمعات الفلسطينية في الداخل والشتات للمحافظة واستعادة الثوابت الفلسطينية كخطوة أولى مع الدعم الكامل لها من السلطة الوطنية الفلسطينية والتكتلات النخبوية الفلسطينية دون التغول عليها ، ويكون ذلك في البدء في إعادة إحياء قوة اتحاد الطلبة الفلسطينيين في كل المراكز التعليمية من مدارس وجامعات فلسطينية وعربية وأجنبية وإحياء اتحادات العمال والمهنيين والوصول إلى تشكيل المؤتمر الوطني الفلسطيني الشعبي القوي الذي يفرض الهيئة الشعبية الدستورية المحركة والموجهة والداعمة للسلطة الوطنية الفلسطينية واللاجمة لأي إملاءات أو تنازلات مفروضة على السلطة والهيئات الشعبية الفلسطينية .
5- أن تشتيت الحراك وتفعيل التناقض الفلسطيني الداخلي هو مطلب صهيوني وإقليمي ساعدت في إنجاحه عوامل عديدة منه البعد عن العمق العربي والتبعية لصالح الدول والأحزاب الحاضنة لهذه الحراكات ومن الضروري تعريب الحراك شعبيا ورسميا ودون المساس في السياسات العربية الداخلية .
جرير خلف