بقلم: شفيق الدويك
أتوسل اليك أن تخفّض الصوت، فأنا لا أطيق سماع هذا الصوت الذي تعشقه أنت.
أعتذر، لأنني لا أحب أكل السمك بالمرة.
هل تعتقد بأن هناك من سيشترى هذه السيارة ؟، أنظر الى اللون ما أغربه.
أنا أستمتع برائحة هذا العطر، و أختي لا تطيقه.
المذاق لذيذ جدا، لماذا لا تجربه و لو لمرة واحدة ؟
يُردّد الناس العبارات السابقة و غيرها التي هي على شاكلتها كل يوم، و هي تأتي تأكيدا لما بناه الحكماء منذ زمن بعيد، عندما أطلقوا قولتهم الشهيرة (لولا إختلاف الأذواق لبارت السلع).
و الذوق يتضمن التذوق باللسان، بالأذن، بالعين، بالأنف و باللمس و هي وسائل أو وسائط الإحساس أو الإدراك الحسي Perception لدى الإنسان المساعدة لعقله.
و الإحساس هو عتبة الإدراك أو أول درجات معرفة الإنسان التي يحصل عليها كل يوم.
إن الذي يضيف كمية كبيرة من الملح على الطعام لكي يتمكن من الإستمتاع بالأكل، أو الذي يرفع صوت الراديو لكي يتمكن من السماع بصورة مناسبة، أو الذي يلبس نظارة طبية لكي يتمكن من تحسين رؤيته للأشياء ، أو الذي لا يشعر بوجود رائحة حريق يعني بأن حالة أو وضع أو قوة و سائط/أدوات الإحساس متباينة لدى الناس.
و إن الذي جعل عدة أشخاص، خُضعوا لإختبار، يعبّرون عن رأيهم في الشاي الذي شربوه بكلمة واحدة و كانت إجاباتهم متباينة بشكل عجيب مثل: حار، حلو، بارد، غامق، لذيذ، جيد، سيئ يعطي دلالة أخرى بأن تفاوت الأذواق و الإدراك تعتبر مسألة حقيقية و موجودة، و فيها فرصا تسويقية كبيرة.
بعض الذين يتعرض جهازهم العصبي لحالة مرضية تصبح حروف الكلمات بالنسبة لهم مثل الشوربة أي كالخليط و يحتاج الواحد منهم الى وقت أطول من الإنسان العادي لمعرفة ترتيب حروف الكلمات و إستقاء المعاني.
هل ينسحب الأمر نفسه بطريقة أو بأخرى على المقالات المنشورة، حين نرى تباين تعليقات القراء على نفس المقال ؟ . فمن القراء من يشيد بالكاتب أو بفكرته، و منهم من ينعت الكاتب و المقال بصفات سلبية و لربما مشينة، و منهم من يترك المقال بدون تعليق .
أعتقد أن هناك نسبة لا بأس بها من القراء تقرأ مقالات كُتاب محددين، دون غيرهم، لأنها تجلب متعة و فائدة حقيقيتين لهم و تتناسب مع أذواقهم، بحيث تتجاوز عن الأخطاء الإملائية و سلامة قواعد اللغة و بناء المقالات إن وُجدت، ثم تتفاعل مع المقال و تترك تعليقات عليها، فيها قيم مضافة قد تتجاوز في أهميتها المقال ذاته، و هناك نسبة لا بأس بها من القراء تقرأ المقالات بغرض البحث عن معلومة جديدة أي تحديث معلوماتها، و زيادة مخزونها الثقافي، و ليس بغرض المتعة في نفس الوقت، و تترك المقال دون أن تُعلّق عليه، و تبقى أقلية ضئيلة من القراء، تمر على بعض المقالات ليس بغرض المتعة أو الفائدة بل من أجل عكس الحُكم السلبي المسبق على الكاتب ، أفكاره و كتاباته برشقه بتعليق جائر لا يتفق و واقع الحال، إذا ما تمت مقارنة تعليقاتهم مع التعليقات الأخرى الإيجابية أو المحايدة.
و حيث أن المقال يُعتبر منتجا يصنعه الكاتب، يقرر بعض الكتاب بيع مقالاتهم لجمهور أو قطاع معين (الكتابة لفئة محددة من حيث الإستهداف) ، في حين يقرر آخرون بيع مقالاتهم لكل القطاعات و المستويات الثقافية أي دون تحديد، مع الأخذ بعين الإعتبار أن بعض المقالات تكون مدفوعة الأجر مسبقا! و بعضها يدفع الكاتب من جيبه و غير جيبه عن طيب خاطر لإنجازها، لأنها تُعبر عن قناعاته، أفكاره و المبادئ التي يُناضل من أجلها، و من أجل نشرها و تعميم الفائدة منها.
و ما دام الأمر كذلك، فإن التعليقات الإيجابية أو السلبية على بعض المقالات لها دلالاتها، و لها ما يبررها من حيث المتعة و الفائدة من عدمهما، من حيث الحُكم المسبق، ومن حيث التحيز المبني على أساس من عدمه.
بعبارة أخرى، تعكس التعليقات في حالات كثيرة درجة ثقافة المعلق، حالته النفسية، رضاه أو عدم رضاه، تحيزه أو عدم تحيزه على ما كُتب من وجهة نظره، و غالبا ما تعطي نماذج مثيرة، مسلية و مفيدة أكاديميا عن تفاعلات طرفين أحدهما معلوم وهو الكاتب و آخر ، في أحيان كثيرة، مجهول و هو المعلّـق.