عبدالناصر هياجنه
-----------
هذا الرحيلُ على باب الشتاء له ألفُ معنى، فالخيرُ الذي تجسّد في الراحل حياً يُصرُ على ملازمته ميتاً، رحيلٌ يُبشّرُ بخِصْبْ الرحيل كما هو خِصب الحياة.
لا أجيدُ رثاء للحاضرين بسيرهم المتألقة، ولن نبكي على نوحٍ إذ يُلبي نداء ربه، فأولى من يُلبى نداؤه الله، ومَنْ غير نوحٍ أجدرُ بتلبية نداء الله؟ يُفارق الشيخُ المهيبُ الأهلَ والأحبةَ والحياة، وفي سيرته ما يبقيه حياً حاضراً فينا يُعيننا على نوائب الدهر، يُغيث الملهوفَ فينا، ويعملُ الصالحاتِ، ويلتزمُ المنهج. ولن نبكي على رجلٍ تركَ مكانه شاغراً لمَنْ أراد في هذا الزمان صلاحاً وفلاحاً وإرثاً عظيماً – ينفعُ الناس- وقدوة.
أدري بـ \"عجلونَ\" وجعٌ وحُزنٌ نبيل، وبأهلِ بيتك فقدٌ بالغٌ، ولكنَّ في الأردنِ ذاتُ الوجعِ وذات الفقد. ولعلَّ ما يواسي النفس أنَّ شيخنا المهيب عاشَ مع الله دائماً، وأنه الآن في ذمَة الله، ومَنْ أكرمُ من الله؟ ومَنْ أرحمُ من الله؟ ومَنْ أعدلُ من الله؟
في رحيلك لا غيابكَ، تتضاءلُ الحروفُ يا سيدي يا نوح، وتواجه اللغةَ مأزقِ وفاءٍ كبير، فلك الرحمة والغفران، ولنا من بعدكِ حُسنُ العزاء، وسيرةُ شيخٍ مؤمنٍ مهيب، آمن وصدّق وصلّى والتزم المنهجَ القويمَ في الفُتيا والإدارة والسفارة وعِمارة الأرض بالباقيات ِالصالحات، فوضعَ نموذجاً لأجيال باتت تبحث ُ عن نفسها في لُجةِ ضياعٍ تعيشه، تهربُ من ذاتها وتستجدي النموذج البعيد وبين ظهرانيها يعيش نموذجاً قريياً حبيباً يصلحُ مثالاً يُخففٌ من فراغ ومأساوية المشهد.
سيرةُ الشيخ المهيب نوح مُلكٌ لنا جميعاً، فنحن جميعاً ورثةُ صالحينا، أبناءً كنا لنوحٍ أو غير أبناء، وربما يجدرُ تدوينها وتدريسها واستلهام ما في فيها من معانٍ ودروسٍ جليلة. وهي دعوةٌ لذويه ونحن كلنا ذووه أن نتداعى إلى تكريمٍ يليق بالراحلِ لتبقى حياته وسلوكه وأخلاقه وأعماله وما تركه من علمٍ جليلٍ حيا بيننا نستقي ما يروي ظمأنا، ويُضيفُ عليه الصالحون ما يُرضي الله.
لا مجالَ لمزيدٍ الآنَ أكثرَ من فاتحةِ الكتابِ لروحٍ طاهرةٍ ونفسٍ راضية رحلت إلى ذمِة الله. ودعاءٍٍ لشيخنا المهيب نوح بالرحمة والمغفرة والقبولِ من ربِ العرشِ العظيم، وآخر المقال قول الحق بِسمْ الله الرحمن الرحيم:\"وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون\" صدق اللهُ العظيم.
وحسبنُا الله ونِعِمَ الوكيل