كثيراً ما نسمع بالعديدِ من المفاهيمِ والعبارات, التي تَصِفُ جُملةً من السُّلوكاتِ السَّلبيَّة, بكلماتٍ تُشجِّعُ البعضَ على التَّمَسُّكِ وزيادةِ الانغماسِ بها, حتى أصبحت تأخذ سِمَة (القَـبُول الاجتماعيِّ, وعدم الاستهجان والاستنكار لها ), وباتت أيضا تُشَكّلُ قيماً دخيلة في منظومتنا سواء الفرديَّة أو المُجتمعيَّة, وهذه من وجهة نظري الشخصيَّة "الطَّامَّةُ الكبرى" ...... على سبيل المثال لو رأينا أحد المُرتشين, الذي يشْغـَل منصبَ مسؤوليَّةٍ مــا, في إحدى المؤسسات الرَّسميَّة, ويقوم بتيسير معاملات الآخرين, مقابل مبلغٍ من المال, أو على سبيل المقايضةِ في تلبية المصالح مع مسئولٍ آخر, أو محاولتهِ التَّسَلُّق على ظُهور و أكتاف الآخرين, والاحتيال على القوانين, لتحقيق مآربهِ الخاصة, ماذا نُسَمِّيه ((مـلَحْــلَــحْ))!؟ في حين نرى رجلاً صاحب نفوذ, يتولَّى منصبا مـا, يُغـدق "أقرباءه " بالخدمات والتعيينات, على حساب حقوق المستضعفيــن من الناس, الذين ليس لهم ذوي قُربى في أي منصب, ماذا نُسَمِّيه ((خـَـــدوم)). وحينما نرى أحد المُرَشَّحين لأي مجلس انتخابي, والذي يكتسح الأصوات, الخاضع لقانون التجارة, بيع وشراء؟! ) ويُؤثـِّر على آراء الآخرين, بشراء ذممهم, بِمُسَمَّى (هدايا, وعطايا) ماذا نُسَمِّيه ( حُـــــــوتْ !!؟), وحينما نرى بعض المتلوِّنين المنافقين, الذين يتلوَّنون بشتى الألوان, ولا تتفق بَوَاطِنُهُمْ مع ظَوَاهِرُهُمْ, ويأخذ "بمسح الجوخ" هنا وهناك, وتحديداً لدى المسئولين, ماذا نُسمِّيه (دبلوماســـي).
وحينما يذهب أحدنا لتقديم طلب توظيف, أو أي طلب مستوفٍ شروطَه ويُعَد من أبسط حقوقه, سرعان ما يسألك الموظف قبل تقديم الأوراق (معك فيتاميــن واو), أصبحت الواسطة فيتامين!؟, غذاء أساسي, لا بُدَّ منهُ لإتمام أوراق التوظيف, أصبح إذلال النفس, واستجداء الآخرين, مُتطلَّب أساسي لنيل الشخص أبسط حقوقه ؟! ناهيك أن بعض إعلانات التوظيف, يكون تفصيلها بشكل جيِّد, على مقاس سين من الناس, (معروف مُسبقا وما الإعلان إلا أموراً شكليَّة) متناسين ما جاء بالحديث الشريف, لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ ، لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد, وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير, اللَّهُمَّ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت ، وَلَا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ "....
وإذا تصادفت الموظفة مع الموظَّف, عند باب الدائرة الحكومية أو أي مكان عام, سرعان ما ينحاز الرجل للخلف قائلاً (ليدي از فيرست) ، بالطبع بعض الرجال سُعداء بمثل هذه السلوكات, على اعتبار أنها من قبيل " فنًّ الاتيكيت ", وتعبير عن الاحترام للطرف الآخر *** كأننا تناسينا صاحبة موسى, التي هي واحدة من أكثر العرب فراسة , حينما قالت لأبيها : " إِنَّ خَيْر مَنْ اِسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الْأَمِين " قَالَ لَهَا أَبُوهَا وَمَا عِلْمك بِذَلِكَ ؟ قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ رَفَعَ الصَّخْرَة الَّتِي لَا يُطِيق حَمْلهَا إِلَّا عَشَرَة رِجَال, وَإِنِّي لَمَّا جِئْت مَعَهُ تَقَدَّمْت أَمَامه, فَقَالَ لِي: كُونِي مِنْ وَرَائِي فَإِذَا اِخْتَلَفَ عَلَيَّ الطَّرِيق, فَاحْذِفِي لِي بِحَصَاةٍ, أَعْلَم بِهَا كَيْف الطَّرِيق لِأَهْتَدِيَ إِلَيْهِ ...أتساءل لماذا اقتدينا بالغرب, ولم نقتدِ بسيدنا موسى عليه السلام؟! وهناك بعض الرجال يخضعون لدورات تأهيلية, يتضمنها كيفيَّة تقبيل يد المرأة,أثناء إلقاء التحيَّة ,,,,لا لا على رسلكُم عليَّ، ليس من قبيل التذلل والاستكانة, بل من قبيل فنِّ الاتيكيت أيضا ؟! (يا سلام عليكم إحنا تطوَّرنا وتحضَّرنا)!!!
و تارة نرى رجلاً وزوجته, يسودُ التفاهم والمحبة والمودَّة بينهم, ولا يُتَّخَـذ قرار عائلي إلا بالمشورة بين الاثنين, ماذا نُسمِّي الرجل ( مَحْكُـــــوم ), في حين نسمعُ برجلٍ مُتَسَلِّط, عَبُوس ومُسْتَبِد باتخاذ القرارات مع زوجته, أو مع أفراد عائلته, و مُهَمِّش لها, و مبرَّقُ العينين لها, حتى تكاد الكلمة تجلجل في صدرها قبل أن تتفوَّه بها, ماذا نُسمِّيه (رجــل بمعنى الكلمة!! ويا هيك لرجال يا بلاش ),متناسين قول الرسول عليه الصلاة والسلام (رفقاً بالقواريـــر).
و تارة نرى رجلاً كريماً, طيَّبَ النَّفس, يُعينُ على نوائب الدهر, ويُطعم الطَعام, ولا يَقْفُ ما ليسَ له بهِ علم, حافظٌ لما بين لحييه, صمصامة سكيتاً, طويل التَّفَكُّر, ماذا نُسمِّيه (دَرويش, انطوائي, مسكيــن, على البركة!! ), و تارة نجد شخصاً يُقحم نفسهُ بما لا شأن له به, كثير الثرثرة و اللغو, يخوض بما يعرف وبما لا يعرف, المهم فقط أن يتكلَّم, ماذا نسميه ( مُتَكَلِّــم, اجتماعي).
و تارة نجد شخصاً بخيلاً, يحرم نفسه وعائلتهُ ملذَّات الحياة, وحتى الثوب الجديد يكتسيه, عبداً للمال, ويُرْبي أمواله بالبنوك , ماذا نُسمِّيه (مُدبِّـــــر, شاطر). متناسين قول الرَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعِسَ عَبْد الدِّينَار تَعِسَ عَبْد الدِّرْهَم ), و قول الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَاَللَّه لَيَبْلُغ مِنْ أَحَدهمْ بِدُنْيَاهُ أَنَّهُ يُقَلِّب الدِّرْهَم عَلَى ظُفُره فَيُخْبِرك بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِن أَنْ يُصَلِّي !!!. وتارة تجد أحدهم يحمل أعلى الدرجات العلميَّة, ويمتلك المال الوفير, و مُغرورقٌ بنعم الله, حينما يُسأل؟ من أين لك هذا, ماذا يُجيب؟! (جُهدي, إبداعاتي, قدراتي, هذا ما صنعته يداي ), أصبحنا نتداول منظور قارون في الحياة, حينما قال ( إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ عِندِيَ),متناسين منظور سيدنا سليمان عليه السلام, الذي يجب أن نقتدي به, ويتم تداولهُ على ألسننا حينما قال( هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).... في حين نرى إنساناً ثائراً, يثور على توافه الأمور, يحرصُ على حملِ السِّلاح لزوم الجاهزيَّــة, وللاستعداد لحدوث أي مشاجرة, ماذا نقول ( شخصيتــــــه قويَّــــــة, شُجاع ), وكثيراً ما نرى رجلاً صابراً عند الغضب, حليماً عند الجهل, عـفوُّاً عند الإساءة, وإذا سفه عليه سفيه لم يقابله بالمثل, بل بالكلمة الطيبة, ماذا نقول ( شخصيته ضعيفة, جبان) . وحينما نرى إحدى الفتيات اللواتي هُنَّ ( بلسما للجروح بطهر ونقاء سريرتهن, وعِفَّة وسُترة ملابسهنَّ ) ماذا نقول ( متعصّبة, رجعيَّة ). وعندما نرى بعض الفتيات, اللواتي يتاجرن بزينتهن, من حيث اللبس القصير, والملتصق بالجسد , وبنطال يلا نشطف, وبنطال "علي بابا",والجزرة!!؟ وحفظ بعض المصطلحات الأجنبية, لزوم الحوار العقيم, ومن قبيل البريستيج طبعاً, حين يراها البعض ماذا يقولون (مُتحضِّرة, مواكبة للتطور, بنت مودرن, ليدي, تُساير الموضة, متكتكة ).
وعندما نرى بعض الشبان, يتنقل بين العشق والغرام مع الفتيات, ويُغلق على نفسه في جولاته العاطفية, ويتلاعب بأعراض هذه وتلك من الفتيات, ماذا نقول (رجل ما بينعاب). وحينما نرى بعض العُشَّاق؟! يلبسون الأحمر, ويتبادلون الورود الحمراء ماذا نقول (عيد الفالانتاين, عيد الحب، حرام خلــّيهم يفرحوا ). وعندما يتخبط الناس بالكذب المُبرَّر من وجهة نظرهم, ماذا نُسمِّيه ( كذبة بيضاء, كذبة نيسان) والذين يترنمون على سماع المزامير والغناء بالألحان, وآلات الطرب, صباحاً مساءً , ,وتشرئبُّ أعناقهم, ويتمايل مع البعض يمنة ويسرة, مع كل إيقاع ( برج إيفِل أقصد (تسريحة سبايكي ), والتي تعبر عن وله عاشق ولهان, مشغول البال, حيران؟!, ماذا نُسَميه (رومانسي)......وتارة نسمع بمن يطالبون بترخيص جمعية لممارسة الفاحشة ماذا نسميه(حُريَّة تعبير, حُريَّة شخصيَّة)....
· أخيــــــــــــرا يا إخوة ألا تستدعي مثل هذه العبارات والمفاهيم, والتي أصبحت تتناقل من جيل إلى آخر, حتى أخذت سِمَة القبول الاجتماعي, وعدم الاستنكار لها , أن نتوقف عندها قليلا, بدلا من المرور عنها مرور الكرام.
· هل نحن في زمن السنون الخداعات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يُصَدَّق فيها الكاذب ، ويُكَذَّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين.
· هل وصلنا إلى حالة الأمر بالمنكر, والنهي عن المعروف؟!.
· أم فشلت معايير وقيم المجتمع الأردني, عن ضبط سلوكات الأفراد, وبالتالي أصبحت المعايير المجتمعيَّة ((غير فَعَّالة )), مما أدى إلى انتشار ما يسمى بالأنوميا أو اللامعياريَّة, كما أكد بذلك عالم الاجتماع الكبير دوركايم.
· هل تم استبدال المعاني الحقيقية للمفاهيم, والخصال الفضيلة , بمعانٍ أخرى, تواكب العصر والتطور أم ماذا ؟!.
· هل وصل إيمان واقتناع البعض بمثل هذه المفاهيم, حتى احتلَّت أولوية في منظومة القيم الفردية, وأصبحت تمتلك السيطرة على الشخصية, كما أكد بذلك عالم النفس التحليلي يونج Jung.
· هل نمتلك شعور بالدونيَّة والنقص, كي نلجأ للتقليد لكي نرتقي بأنفسنا قليلا, ونتخلص من المشاعر الدونيَّة؟!
يحضرني الآن, قول أحد علماء النفس الاجتماعي يدعى (جابريل تارد) وهو ميل المغلوب لتقليد الغالب, أو الناس ذوي المكانة الاجتماعية المتدنية, لتقليد ذوي المكانة الاجتماعية المرموقة,( ما مبررات امتلاك هذا الشعور؟! هل أصبحنا نخجل من أنفسنا؟! ولماذا لم نمتلك شعور الاعتزاز والفخر, بأننا عرب مسلمون.
· أم أصبحنا نسعى للتقليــــــــد الأعمى وكـــــــــــــــــــفى!!!؟