محمود أبو فروة الرجبي
المطلع على ادبيات الخطاب الإسلامي، سواء كان في مستواه الفردي، أو العام، فإنه يلاحظ اننا دائما نعيش في هزيمة، ويقفز الذهن (الإسلامي) عادة إلى (تبرير) وليس (تفسير) أسبابها، من خلال الثلاثي غير المقدس: مؤامرة الآخر، غياب الشريعة الإسلامية، وسيطرة العلمانية على بلادنا.
الحقيقية اننا نعيش في تراجع حضاري منذ قرون، والأمة لم تستطع ان تحقق اهدافها، سواء الواقعية مثل: الحرية، الديمقراطية، القضاء على التخلف والجهل، والتنمية المستدامة، أو الأهداف الهلامية الكارثية مثل: السيطرة على العالم، القضاء على الآخر، واختراع أعداء، ثم البحث عن طريقة لمحاربتهم.
ولكن هذا كله لا يعني الهزيمة النهائية، ما دمنا استطعنا تحقيق بعض الإنجازات في التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وبناء ما يشبه الدول في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولكن لماذا تسود العقلية السوداوية بيننا، تلك التي لم تستطع للآن، توصيف الداء، فكيف بها تقفز لتعطينا الدواء، وبعد هذا عنها؟
مؤامرة الآخر، موجودة بقوة في الخطاب الإسلامي، وكل ما نتعرض له ابتداء من احتلال فلسطين، ومرورا بتفتيت الوحدة الوطنية في دول العالم الإسلامي كلها، وانتهاء بفلم جنس يتم إنتاجه في أمريكا الجنوبية من قبل منتج امريكي منحل، يأتي ضمن سياق خطة عالمية ممنهجة، موجهة لنا.
لا يمكن لأحد ان ينكر ان هناك خططا من هذا القبيل، ولكن لا يمكن ان تنجح كلها، ولا نستطيع ان نعزو كل شيء لها، فأنا أستطيع ان اقسم مثلا ان ذلك المنتج الأمريكي المنحل، لم يفكر يوما بالمسلمين حينما أنتج أفلامه الأباحية، وكذلك فإن منتجي المسلسلات التركية لم يتصوروا في يوم من الأيام ان تنتشر بتلك الطريقة في العالم العربي، مع اشارتي هنا إلى انني لا أتحدث عمن دبلج هذه المسلسلات فلهذا قصة أخرى.
ولو افترضنا ان كل شيء يسير ضمن تلك الخطة، وهذا مستحيل عقلا، فإن الخطأ يكون فينا لأننا اعطيناهم فرصة ليحققوا مخططاتهم بسهولة.
أما غياب الشريعة الإسلامية، فلا يمكن ان يكون هذا هو السبب الوحيد لتخلفنا، فالشريعة الإسلامية في أذهان كثير من الناس تنحصر في قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن، أو ما شابهها من العقوبات، وهذا جزء من الشريعة، لكن: أين الاهتمام بالبحث العلمي، والنشاط الاقتصادي للشعوب، والعمل الجماعي، وحس المسؤولية، ومعرفة الإنسان لحقوقه وواجباته، وامتلاك عقلية إجرائية قادرة على تحويل الأحلام إلى أهداف، ثم الأهداف إلى خطة إجرائية ضمن جدول زمني، وإجرائي؟ الا يمكن إدراج هذا كله ضمن الشريعة الإسلامية؟ أراهن ان نسبة لا بأس بها منا لا يفكر بهذه الأمور.
والسؤال الكبير، والجرئ الذي أود طرحه هنا، وليعذرني الأخوة فيه: هل إذا تم تطبيق الشريعة الإسلامية؟ - حسب المفهوم الدارج في أذهان الناس- فإن الأمور ستتغير، وسنتحول بين ليلة وضحاها إلى دول عظمى تحكم العالم، وتعطي لشعوبها الرفاهية المطلوبة؟
الموضوع أكبر من ذلك بكثير، الشريعة العقابية – حسب مفهوم الناس- لا تعني الإسلام الشامل، ولا يمكن لهذا المفهوم الا أن يكون هلاميا، غير قابل للتطبيق، ولي مقال تفصيلي ساتحدث فيه عن هذا الموضوع باسهاب.
أما سيطرة العلمانية على بلادنا، فهذا سبب آخر يتحدثون عنه، وهو غير دقيق، ففي العالم الإسلامي ليس هناك دول علمانية بالمفهوم الشامل للعلمانية، وإذا كانت العلمانية تسيطر على الحكم في قليل من الدول الإسلامية، فإنها لم تستطع ان تتغلغل في الشعوب، وأكبر دليل على ذلك تركيا، ولا يمكن بأي حال ان نعزو فشلنا للعلمانية، لأننا أصلا لم نطبقها، ولا يمكن ان نطبقها في المدى المنظور.
أما كبار المسؤولين والقادة في بعض الدول ممن يدعون العلمانية، فهي بالنسبة لهم مجرد قناع شفاف، وهم في دواخلهم يعيشون كل عيوب الأمة، ومآسيها، ولم يستطيعوا التحرر منها أبدا.
هذه العيوب لا تشمل كل المسلمين، ولكنها تشكل الصفة الغالبة فيهم، ولا يمكن ان ننجح إذا لم نستطع ان نحدد الداء، ووقتها يمكن البحث عن الدواء، نحن نعاني من اختلالات عقلية خطيرة، وتوهان رهيب، ولن نتقدم ما دمنا نلقي اللوم فيما وصلنا إليه إلى ذلك الثالوث غير المقدس.