الكاتب : فيصل تايه
إنني ومن خلال تجربتي في القطاع التعليمي وجدت من الضرورة بمكان أن أتحدث في مقالتي هذه ولو بشي من التذكير عن موضوع غاية في الأهمية .. كونه يتعلق بالسلوك الطلابي داخل مدارسنا والذي نحن في اشد الحاجة لتشخيص سلبياته والوقوف على ايجابياته بكل همة ومسؤولية .
وإنا ونحن نتحدث عن هذا الموضوع المهم لجدير بنا أن نوليه جل اهتمامنا .. بل ويجب أن نعي تماما أن هناك ظاهرة باتت مقلقلة في مدارسنا .. بل وتهدد نظامنا التعليمي بشكل عام .. وتستحق منا جميعا تظافراً للجهود .. لنجد الحلول العملية والإجرائية المناسبة التي ترقى إلى المسؤولية .. فلو تطرقنا إلى أسباب العنف ..في مدارسنا .. سنجد وبما لا يدع مجالا للشك انه مرتبط ارتباطا وثيقا بالعنف الذي هو خارج أسوار المدرسة واعني هنا ( العنف المجتمعي ) فنحن نتحدث دائما وباستمرار عن آليات للارتقاء بعملية التعليم والعلاقات الداخلية بين أفراد التكوين الاجتماعي المدرسي .. للتخفيف من حده التوترات التي تسبب العنف وذلك من خلال الوعي على الإطار العام للمجتمع وتفعيل عملية التعلم كمقدمة لتربية مدنية تقوم على الحوار.
من هنا دعوني أقول إن الوضع التربوي بشكل عام لا يمكن أن تكون مسؤوليته مناطة بقطاع التربية والتعليم فحسب .. بل إن حاجتنا لمتزايدة للمحافظة على القيم الروحية والأخلاقية ولا بد من تشارك الفعاليات لجميع القطاعات الوطنية من اجل إيجاد الرؤى التكاملية لتنفيذ الحلول المناسبة لتخفيف حدة العنف سواء كان ذلك في مدارسنا أم في مجتمعنا ككل.. والحد منها نهائياً إن أمكن ..
وبذلك فالعنف ليس مسؤولية المعلمين والمعلمات وحدهم .. وليس المعلم هو مصدرها .. بل إن المعلم هو الذي يتحمل جميع سلبيات المجتمع .. وهو الذي يحتاج منا جميعا إلى إعادة هيبته وتوفير العوامل التي تحقق ذاته وتجعله إنسانا مخلصا وخلاقا مبدعا .. وهذه العوامل ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف التي تحيط به في المدرسة والبيت .. فهو المسؤول عن العملية التربوية المعقدة بكل معانيها ثقافياً وحضارياً.. إضافة إلى اكتساب الطلاب العادات الفكرية والوجدانية وأنماط السلوك السليمة وكيفية التفكير حتى يكون دور المعلم مساعداً ودليلاً وداعماً للطالب بحيث يصل مستوى العلاقة بين المعلم والطالب إلى درجة مجسدة .. بل أنها مسؤولية مجتمعية مشتركة يتحمل الجميع تبعاتها .. فمن الظلم إلصاق جميع سالبات المجتمع على كاهل المدرسة ومن له علاقة تربوية بها
فالمدرسة ما هي الا مؤسسة شديدة التأثير بايجابيات وسلبيات المجتمع وإن إصلاحها له ارتباط وثيق بالإصلاح الاجتماعي بشكل عام ..ورغم ذلك .. وبأي حال من الأحوال لن نجد أي مبرر ذرائعي لأي معلم في إقامة علاقاته مع طلبته تكون قائمة على العنف أثناء أدائه التربوي داخل مدرسته .. فنحن نعلم تماما أن التربية تختلف عن غيرها من العمليات بالجانب الإدراكي الخاص بالمتعلم فهو يعي تماما ما سيتعلمه .. وإذا غاب هذا الجانب فلن نجد سبيلا إلا باعتمادنا على سياسات تربوية غير لائقة ومنها العقاب الجسدي والمعنوي .
إن محور العملية التعليمية هو الطالب .. ونحن في النهاية وجدنا جميعاً لتقديم الرعاية التربوية له ولن نخلي أنفسنا من أيه مسؤولية في ذلك .. فهو ابن هذا التكوين الاجتماعي وهو بحاجة ماسة إلى رعاية الجميع .. الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني وكل من له علاقة بالتربية والتعليم .
يجب أن لا ننكر ونعترف أننا نعيش في عصر التغيرات المعاصرة .. كما أننا نعيش في مأزق حضاري شديد الحرج تجتاحه الموجة المعلوماتية العارمة .. فالمغريات التي تحاصر الطالب من هنا وهناك .. وفي أولوياتها الوسائل الكترونية والتقنية المختلفة والمتمثلة بالتلفزيون والستالايت الموبايلات والانترنت بكل خفاياه وما إلى ذلك .. باتت لها انعكاساتها التي تهدد سلوكه بشكل واضح .. فهو مولع بها لدرجة انك بالكاد تستطيع منعه عنها .. وإقناعه بقراءة كتاب من كتبه الدراسية .. فهي جزء من حياته .. وثقافته .. وإذا ما تجرأت محاولا إقناعه .. ستواجه مشكلة في عدد اللاءات الصادرة عنه وبعدد ممارساته وشغفة وولعة بتلك المغريات .. وبذلك لن يجد غضاضة في رفضه وتمرده .. فكيف لنا نحن كتربويين أن نجعل ذلك دافعا لتنمية مواهبه وقدراته نحو ما هو مفيد له عن طريق تلك التكنولوجيا .. بحيث لا يشعر بأيه فجوات بين المدرسة والعصر .. هل نعترف مرة أخرى ونقول أننا بحاجة ماسة إلى توفيق أوضاع مدارسنا مع الحياة العصرية التي تتطلبها تكنولوجيا المعلومات وخلق مدرسة عصرية وإستراتيجية واضحة لإعداد المعلمين في المؤسسة العصرية التعليمية كي يتسلحوا بأسلحة العصر التكنولوجية المتعلقة في مجال المعلومات واستخدامها وتقنيتها.. فإذا سيطر عليها سيستطيع أن يخلق الاحترام والثقة عند طلبته ومن هذه الزاوية يمكن إيجاد الكثير من العلاقات الحسنة والطيبة بين المعلم وطلبته .
إننا كتربويين يجب أن نحرص على خلق بدائل منطقية تساعد المعلمين وطلبتهم على نبذ العنف بكل أشكاله كسلوك غير مرغوب .. وبذلك يجب التأكيد على أن يكون المعلم على اتصال مباشر بالطلاب .. لأنه وطلبته يقضون أطول فترة من الزمن مع بعضهم .. وهم أكثر عرضة للعلاقة وتفاعلاتها الهادئة والعنيفة.. لذلك لن تستطيع أن تنصح المعلم بعدم استخدام العنف فقط .. بل ويجب أن توضع البدائل من خلال التجارب العملية الناجحة .. ولعل البرنامج المنفذ حاليا في مدارسنا بالتعاون مع اليونيسيف ( نحو بيئة مدرسية آمنة ) يعطي جزءً من الحلول التي تساعد في ذلك .. ولكن سيحتاج منا جميعا الوقت الكافي للتطبيق واعتماد آليات العمل المناسبة له .
يجب أن نحرص على إشاعة العلاقة الطيبة فيما بين جميع أفراد المجتمع المدرسي.. واحترام الحوار.. واحترام الآخر .. بعيداً استعراض إثبات الذات أو العنف غير المبرر والمساعدة في خلق علاقات حسنة.. فليست المشكلة فقط هي في علاقة الطالب بالمعلم.. بل أن العلاقات الداخلية بين الطلبة هي الأهم.. أليسوا هم محور العملية التعليمية؟ إن احترام الطالب لزملائه سيقود حتماً إلى احترام المعلم والمدير وكل اجزاء التكوين المدرسي . وهذه كانت المهمة الصعبة في ظل ما نعانيه من ثغرات في سلوكنا العام تجاه الآخرين في البيت والشارع والمؤسسات. وللحديث بقية ....
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com
الموقع الخاص بالكاتب : http://sites.google.com/site/faisaltayeh/home