لا يمكن تفسير ثقة 111 التي حصلت عليها الحكومة إلا من باب رد الجميل للرئيس الرفاعي من قبل السادة النواب، فهم بهذه الثقة يعترفون بفضل الرفاعي عليهم، كونه من أخرج قانون الانتخاب بدوائره الوهمية، التي انتجت نواباً ما كانوا يحلمون بالوصول إلى قبة المجلس لولا هذا القانون.
إن حكومة تحصل على ثقة مجلس النواب بنسبة 93% يفترض أن تكون حكومة معجزات، حكومة قضت على البطالة والفقر، حكومة جعلت الشعب كل الشعب في رخاء ورفاهية وبحبوحة من العيش، حكومة وفرت لكل المواطنين أفضل أنواع العلاج في أرقى المستشفيات العالمية، حكومة استخرجت الثروات المعدنية التي تزخر بها بلادنا، حكومة حلت مشكلة شح المياه إلى الأبد، حكومة اعتنت بالزراعة حتى أصبحنا في مصاف الدول الزراعية المتقدمة، حكومة نهضت بالصناعة حتى غدا الأردن مثالاًَ للدول الصناعية القوية، حكومة أصلحت حال التعليم حتى بز الأردن اليابان، حكومة حققت الأمن الشامل لكل المواطنين على اختلافهم وأينما كانوا، حكومة اجتثت الفساد والمفسدين من الأرض، حكومة حلت كل المشاكل وحتى المستقبلية منها، حكومة جعلت الأردن جنات وأنهاراً، حكومة لم تسبق، ولن تسبق، ولن يجود الدهر بمثلها أبداً!!
إن حصول الحكومة على ثقة 111 من 119 ثقة تحرج الحكومة، ثقة لن تخدم الحكومة، ثقة تضعف الحكومة، ولا زلت أتذكر بكل اعتزاز قول أستاذي الدكتور يوسف القطامي متعة الله بالصحة والعافية عندما قال إن علامة 100 عند البعض لن تشعر لها بأي طعم أو أهمية لأنها علامة غير مشرفة، ولكن علامة 80 عند البعض الآخر لها مذاق خاص، وتقدير أعظم، وأهمية أكبر!
وما ضر الحكومة لو حصلت على ثقة بـ70 صوتاًَ، فكلها ثقة سواء أكانت بـ65 أو 120، بل إن ثقة بـ70 صوتاً أقرب للتقوى، وأدعى أن تعمل الحكومة بعيداً عن تسديد الفواتير من جيوب المواطنين، تنفيذاً للصفقات التي تمت قبيل التصويت على الثقة!
أية ثقة أسطورية هذه التي تعطى لحكومة تبشرنا بقرارات صعبة، ورفع أسعار ودعم لا بد منه، وشد الأحزمة على البطون، وصيف مائي شحيح جداً، وعجز مزمن في الموازنة، ومديونية قياسية؟
أية ثقة هذه التي تعطى لحكومة أدمنت رفع أسعار المحروقات، وهي مصممة على رفع أسعار الكهرباء والماء، وتتفنن في اختراع ضرائب جديدة للتغلب على المصاعب المالية التي تراكمت بفعلها وفعل الحكومات السابقة، حكومة ترفع وترفع دون أن يرف لها جفن، ودون أن تحسب لأي مواطن حساباً؟
أية ثقة هذه التي تعطى لحكومة بلغ عدد طاقمها 31 وزيراً، بثلاثة نواب للرئيس في سابقة عجيبة غريبة لا تتوافق مع دعوات الحكومة للتقشف والاستعداد لما هو أشد وأقسى؟
أية ثقة خارقة هذه التي تعطى لحكومة أصدرت 48 قانوناً مؤقتاً في 48 أسبوعاً تكفي لإشغال مجلس النواب لسنة كاملة؟
أية ثقة هذه التي تعطى لحكومة لم تنجز شيئاً غير عادي خلال سنة من تشكيلها في نسختها الأولى، ولم تأت بما لم يأت به الأوائل، بل لم تزد أن تكون حلقة في مسيرة التراجع والتدهور على أكثر من صعيد؟
وما زلت وغيري كثيرون لا يصدقون أن يمنح المجلس السادس عشر الحكومة بمثل هذه النسبة الخرافية دون أية مبررات منطقية أو عقلية. نعم كنا نتوقع أن تحصل الحكومة على ثقة المجلس بنسبة كبيرة، ولكن لم يخطر ببالنا قط حتى ولا في الأحلام(الكوابيس) أن تحصل على 111 صوتاً من أصل 119.
إن رقم 111 هو رقم الحظ لحكومة الرفاعي في سنة 2011 على أمل أن تجترح المعجزات، وتصنع المستحيل، وتحقق الآمال، لتبرهن أن ثقة النواب في محلها، وإلا فالحل في الحل فهو خير دواء على أمل أن لا يتأخر عن 11-11-2011 !
لقد أصبح رقم 111 محل تندر وسخرية عند المواطنين، واحتار المواطنون في تفسير هذه الثقة غير المعقولة، وأدخلوها على برامج الحواسيب العملاقة والفائقة فخرجت بالنتائج التالية: \"ثمة خلل ما\"، \"مخرجات لا تتوافق مع المدخلات\"، \"حاول مرة أخرى\"، \"أنت أكيد تمزح\"، \"ارجوك ارحمني\"، \"آآآآآخ يا راسي\"!!
لقد أشبعنا السادة النواب مرجلة، وأصموا آذاننا بهديرهم ووعدهم ووعيدهم، وأشفقنا على بلادنا من أيام سيشتد فيها الصراع بين الحكومة والنواب من أجل مصلحة الوطن وأهله، وأنهم لن تأخذهم بالوطن لومة لائم، وأن مصلحة المواطنين فوق أي مصلحة، وإذ بالمواطنين كل المواطنين بعد التصويت على الثقة يصابون بالذهول ما بين مصدق ومكذب!
إن ثقة بهذه النسبة شكلت صدمة قاسية بل لطمة عنيفة للأردنيين الذين يشعرون أنهم خذلوا، وأن مجلس النواب قد تحالف مع الحكومة ضدهم وضد مصالحهم ومستقبلهم، مجلس تركهم في العراء يصارعون قدرهم بأنفسهم، دون نصير أو معين، إلا رحمة رب العالمين!
قد نجد عذراً للنواب الجدد لمنح الثقة فرحاً بمقاعدهم، ولعبة الميكرفون التي حصلوا عليها، والأضواء التي وضعوا تحتها بين ليلة وضحاها، وعرفاناً للرئيس الرفاعي بالجميل، ولكننا لن نستطيع أن نعذر النواب العتاولة المتجذرين في المجلس، أو النواب الذين شبعوا من المناصب وشهواتها، أو النواب الذين يدعون أنهم أصحاب فكر ورأي ورؤية!
mosa2x@yahoo.com