من هم الحمقى اللذين لا يبتهلون إلى الله بإن يرسل السماء عليهم مدرارا
ويمدهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهارا ، ومن هم الحمقى
اللذين لا يخافون عقاب الله ومكره ورسائله المؤنبة والمحذرة لهم من
التمادي في الغي والمعاصي ، ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا
تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ
دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ الرعد 31) ، ومن هم اللذين لا يتمنون أن يكونوا من فئة
المؤمنين الموحدين الواقفين عند حدود الله والخائفين من الوعيد ، ويعملون
على أن يكونوا ممن قال الله فيهم (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن
تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا
يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ
الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ سورة الحديد
16) .
وبعد أن مال أكثر المسلمين أفرادا وجماعات في هذه القرون المتأخرة لإقران
الحالات الإفتراضية الناشئة عن ظواهر طبيعية بالتغيرات المناخية أوالبيئية
أوبزيادة ( خرم ) طبقة الأوزون وغيرها ، وغيبوا قدرات الله الواحد الأحد
القاهر فوق عباده ، فلم يقفوا عند حدود أنفسهم ومسؤولياتهم ، بل وضربوا
بكل الآراء المنبهة من سوء أفعالهم أو المحذرة لهم من التمادي بغيهم ، بل
ومنهم من أهلك الحرث والنسل لأسرته قبل جيرانه ولشعبه قبل أعداءه ، وتجاوز
خطوط احترام الذات والآخرى الإنسانية ، فغدوا أكثر فظاظة وغلظة وارتكبوا
أكثر فظاعات وأمرّ إرهاب ممن قال رسول البشرية صلى الله عليه وسلم ( حدّث
فيهم ولا حرج ) ، فهم ومنهم الأدهى والأمكر ولمكر الله أكبر ، اللذين
سحبوا الدين لسياساتهم المشبوهة ، فغدا عندهم بابا المسلمين القطري الجديد
، والمرشد الأعلى للمسلمين غير الراشدين برأيهم أهم من الخالق البارىء ،
ومن القضية الفلسطينية التي يتلبسون بها للنفاد لجسدها لمحاولة النهش بها
ولتصفيتها على الطريقة الإيروإسرائيلية .
مقدمة كان لا بد منها تبصرة وتذكرة لمن شاء أن يتذكر ، ففي الأسبوع الماضي
قالت الأخبار أنّ منخفضا إعصاريا سيضرب المنطقة مليئا بأمطار الخير
والبركات ، ولكنه قد يتسبب بفياضانات خاصة في جنوب الأردن وجنوب فلسطين
وسيناء ، فعلى مستوى الأسر الصغيرة التي هي بالتأكيد أقل قوة ومقدرة مالية
، حضرت نفسها بعد سماعها الأخبار لمجابهة الإعصار وتجنب آثاره ما أمكن ،
وعلى مستوى الحكومات المعنية والتي تصنع وتبث الأخبار معتمدة على أهل
الذكر ، تهيئت هي الأخرى لتتحمل مسؤولياتها أمام شعبها الذي أختارها ويلتف
حولها ، فأعلنت الطوارىء بين أجهزتها ، وتسابق المسؤول قبل موظفيه ليسهروا
ويتسابقوا لتطويق آثار المنخفض ما أمكن ، إلا في قطاع غزة الصامد بشعبه ،
المهزوم بالإنقلابيين وأفعالهم النكراء ، حيث أنّ أكثر الأسر الفقيرة
المغلوبة على أمرها والفاقدة إرادتها بفعل سلاح القتل والإرهاب الذي سلط
على رقابها هي فقدت بيوتها بفعل العدوان الإسرائيلي الهمجي الأخير الذي
استهدف غزة بسكانها وحجرها وشجرها ، واستثني الفارين من ساحات الوغى غير
الملتفتين لواجباتهم ومسؤولياتهم ، التي أخذوها مرة من صناديق الإقتراع
فلم يحسنوا إدارتها ، وسلبوها ثانية بفعل الإنقلاب الدموي فأساؤا
استخدامها ، فبات أكثر شعب غزة بعد انتهاء العدوان الذي توقف نتيجة
لمقدرته على الصمود والتحدي رغم جراحه ، يقضي أيامه الطويلة ولياليه
الباردة في خيام صالحة للأستخدام لشهر أو شهرين ، ما فتئت تُذكره بمرارة
النكبة التي طال أمدها بفعل الرغبة الإسرائيلية التي تًفرح لعذابات الشعب
الفلسطيني ، وأظلمت سنواتها بفعل الطفولة الدينية والرعونة السياسية لمن
استولوا على غزة اللذين يرقصون على جراحاته وذكرى شهداءه ، فتمزقت هذه
الخيام التي زُّج الشعب بها رغم أنفه ، وعرّت من بداخلها فلا هي حمته من
لهيب الصيف ، ولا هي وقته من برد الشتاء ، ولا هي حمت حتى ( حلاله ) من
الأمطار الجارفة .
وعلى رأي الممثل السوداني الكوميدي الذي قال يوما في فلم الزعيم عادل إمام
الإرهاب والكباب ( في أوروبا والدول المتقدمة يستقيل وزير الأمطار ...
و... ) ، لكن هذا الواقع الغربي والحلم العربي لم ولن يحصل مثله عند حركة
حماس المتمسكة بالحكم رغم أنف شعب غزة ، والمتمكنة منه بقوة السلاح رغم
أنف كل القوى الثورية والمدنية في قطاع غزة ، بل هي دائما تجد الأعذار
لتقصير كادرها وقادتها لارتكازها على النظرية الميكيافيلية ( الغاية تبرر
الوسيلة ) ، فدائما هي ترمي غيرها بالتهم جزافا لتبرير أخطائها ومشاكلها
وغرائزها الدموية ، والحمد لله إنها تشهد كما كل العالم أنّ الشرعية
الفلسطينية لم تكن لتمتلك سدا لتجميع مياه الأمطار ، وإلا لكان رمي
مسؤولييها بأنهم تآمروا مع القدر مجري السحاب ومنزّل الغيث حيث يشاء ضدهم
وضد شعب غزة ، وإنا هنا ليس بوارد الدفاع عن دولة إسرائيل المحتلة لكل
فلسطين والمتحكمة بطرقاتها وممراتها وبمائها ومرعاها ، كما أنني لن أذهب
إلى ما ذهب إليه البعض من اتهامها أنها فتحت سد جنوب غزة لتغمر مياههه
المتدفقة الأرض لتغرقها والناس والبهائم ، وذلك ليس حبا لها فكلي كما كل
شعب فلسطين الحر الأبي كرها لها ، ولكن لعدم وجود دليل حسي يثبت ما ذهب
إليه المقصرون اللذين رغبوا بالإفلات من مسؤولياتهم أمام الله ثم الشعب
والوطن ، فالسيول الجارفة سارت بخطوطها الطبيعية التي صنعتها في سيناء
وجنوب الأردن لكنها لم تترك بصمتها التخريبية لتنبه القائمين على أعمالهم
بدراية وحسن تنظيم ، وبسبب رقابة ذاتية والعليا الساهرة ، فمرت الظروف
فيهما بسلام رغم خطورتها ، ورغم بعض الخسائر التي تسببت بها ، على عكس ما
جرى في غزة المسكينة حيث تنصل المسؤولين من فداحة أخطائهم وتقصيرهم ،
فيكفي عندهم دائما سلامة قادتهم وكوادرهم وأنصارهم ، وللهروب من إجرامهم
بحق عوام الشعب يكفي عندهم اتهام إسرائيل بالكارثة حتى تنتفي المسؤولية عن
المقصر ، بل وليغدوا بطلا بأعين حركته فلا معطاء قبله ولا مخلص بعده .
وبزر التحكم بالتلفاز الذي انتقل لخبر آخر ، حيث مسؤولي حركة حماس في
الخارج يتنقلون بين العواصم والفنادق المكيفة بالتدفئة المركزية ، بالطبع
ليس لجلب المال اللازم لإعادة بناء ما دمره الهمجي الإسرائيلي ، بل لحشد
التأييد لاستمرار الإنفصال بين جناحي الوطن ، ولضمان مد حركتهم بالمال
اللازم لبقاء نسيجها ، وللاستمرار بحشد طاقات المخبتين من حولهم للإساءة
للشرعية الفلسطينية ، ولمحاولة الإجهاز على القضية الفلسطينية ، فالمال
اللازم لبناء غزة الجريح ولإنقاذ شعبها الفقير من مهاوي الردى موجود في
خزائن المودعين الذين يهمهم صرفه لغاياته ، فإعادة الإعمار تحتاج أن
تتنازل حركة حماس عن علياءها الشبيه بأبنية فرعون والنمرود التي رفعوها
تطاولا على السميع القدير ، وأن تتنازل عن برجها الزجاجي الذي تستظل به
وترمي بحجارتها الشيطانية ثوابت الآخرين .
وكاي متابع لهم شعبنا في غزة الجريح قال شيخ عجوز خبر الأيام وحكاياتها
بصوت خرج من مخارجه كطلقات بشرى الإنطلاقة ( أتحداك أن يكون أحدا من
مسؤولي حركة حماس أو أنصارها أو كوادرها يقبع بمثل هذه الخيام الباردة ،
فهم يمتلكون البيوت الفارهة ، ومن خسر منهم بيته استأجروا له شقة أو أمنوا
لهم كارفان ، وتركوا عوام الشعب المسكين ينام بالخيام ) وتلا قوله تعالى (
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا
طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ
مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة 286) .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com