تظل تكاليف المعيشة
هي الهاجس الاكبر للغالبية العظمى من المواطنين, لانها تحدد مستوى الحياة
التي يعيشونها, فاذا كانت مرتفعة في متطلباتها الاساسية على وجه الخصوص
ولا تتناسب مع الدخل الذي يكسبونه, فان مقدرتهم على توفير احتياجاتهم
الضرورية تتناقص شيئا فشيئا على حساب صحتهم وسلامهتم في بعض الاحيان, واذا
ما انخفضت مثل هذه التكاليف الرئيسية فانها تعطي بحبوحة العيش, التي
تتوارى مع الزمن الى ان تصبح الطبقة الوسطى شبه معدومة باعترافات حكومية
هذه المرة, في مسعى لمحاولة اعادة الاعتبار اليها بعد ان تهاوت الى ما يمس
الفقر بمفاهيمه العديدة.!
تعلن ارقام احصائية كثيرة عن ارتفاع او انخفاض تكاليف المعيشة, ولكنها تمر
امام السمع والبصر من دون اي اكتراث بها من قريب او بعيد, لان الكثيرين
يرون انها مجرد نسب لا تمثل الواقع الحقيقي, فاذا كانت تحمل ارتفاعا على
سبيل المثال, فانها لا تعكس ما طرأ على اوضاع الناس من ضائقة يكابدونها
بأكثر من الارقام المعلنة, واذا ما تدرجت نحو الانخفاض الرقمي فهنالك من
الامثلة الحية ما يدحض النتائج التي تم التوصل اليها, وفي كلتا الحالتين
لا بد من التسليم بأن هناك اهتزازا او حتى انعدام ثقة في الاسلوب الاحصائي
الذي يتم اعتماده في هذا الشأن, وفيما اذا كان مبنيا على قاعدة منهجية
تأخذ في الاعتبار جميع التكاليف, ام انها تختار من اسعار بعض المواد واجور
الخدمات والفئات التي يتم استبيانها ما يؤكد اهدافا بعينها!.
يتردد في هذه الايام.. ان هناك توجها حكوميا ربما يكون قريبا لاتخاذ قرار
يقضي بالغاء اعفاء 13 سلعة اساسية من الضريبة العامة على المبيعات بعد
مراجعة موازنة العام 2010م التي تضمنت شمولها بهذه الاعفاءات, خاصة وان
القائمة تشمل مواد تموينية هي الحليب والاجبان والارز والسكر والحمص
والعدس ودقيق الذرة وزيت النخيل والحنطة والشعير والشاي والبن والذرة
الصفراء, واذا ما صح مثل هذا الاجراء المتوقع فانه يفترض ان يجيب على
تساؤلات مشروعة حول تأثيراته السلبية على تكاليف المعيشة وتأزيم واقعها
اكثر مما هي عليه, حيث ان نقابة تجار المواد الغذائية لم تخف تحذيراتها من
ان الاقدام على مثل هذه الخطوة الحكومية, سيؤدي الى ارتفاع كبير على اسعار
المواد الغذائية التي لا يمكن الاستغناء عنها, لان اعادة فرض ضريبة
المبيعات عليها سيرفع تكلفتها على التجار وبالتالي تحميل اوزار ذلك على
المواطن كما هي العادة دائما.!
دائرة الاحصاءات العامة كانت قد اعلنت منذ فترة وجيزة ان تكاليف المعيشة
قد شهدت انخفاضا بنسبة 0.7% اي اقل من واحد بالمئة خلال العام الماضي
2009م الذي مضى قبل حوالي الشهر, قياسا على مستواها الذي سجلته عام 2008م,
وهذا ما لا يعتبر انخفاضا على الاطلاق, ما دام عام 2008 كما هو معروف قد
شهد تصاعدا قياسيا لم يسبق له مثيل في اسعار كل شيء, جراء وصول سعر برميل
النفط الى ما يزيد على 140 دولارا, اي بمعنى اخر فان الارتفاعات الهائلة
التي طرأت على الاسعار منذ ذلك الحين لم تشهد انخفاضا يتناسب مع المستويات
التي وصلت الى 35 دولارا العام الماضي واستقرارها على اقل من 80 دولارا
حاليا, اي انه تم استغلال فرصة الارتفاعات من قبل التجار وغيرهم, ولم ينعم
المواطن بأية انخفاضات جدية تخفف عليه ما تحمل من اعباء رغم ان الاسعار
العالمية تراجعت كثيرا بفعل الازمة المالية العالمية وغيرها.!
تفيد دراسة اعدتها جمعية حماية المستهلك مؤخرا, ان 244 سلعة تم رفع
اسعارها خلال العام الماضي وان نسبة التضخم السنوي بلغت 6.87%, داعية
الاجهزة المختصة الى مراجعة ما هو موجود في سلة الاستهلاك والمستخدمة من
قبل الاسر الاردنية, وهذا ما يتناقض مع النتائج التي توصلت اليها
الاحصائية التي اعلنتها دائرة الاحصاءات العامة, مما يعني ان هناك
اختلالات واضحة في طبيعة كل ما يندرج في مفهوم تكاليف المعيشة ومعدلات
التضخم, وهذا ما يجعل المواطن حائرا في اي من الارقام يصدق او يشك او حتى
لا يعترف بها لانها لا تمثل الواقع الذي يعيشه او يعاني منه الامرين,
ولعله يجد من يزيده ايضاحا ولا يحمله ما يفوق قدرته حتى على الصبر!.0