محمود عبد اللطيف قيسي
كثيرة هي الأطراف التي اشتركت في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة ، والتي أعلنت جميعها انتصارها في هذه المحرقة القذرة غير العادلة التي وقع ضحيتها مئات المدنيين الغزيين العزل من شيوخ ونساء وأطفال بين شهداء وجرحى ومعتقلين في سجون حماس وإسرائيل .
فبعد انتهاء الحرب أعلنت إسرائيل المعتدية انتصارها بها ، وهي بالتأكيد انتصرت بها ، لأنها كانت قد وضعت أهدافا محددة لها وحققتها جميعها مع أول دقيقة من وقف إطلاق النار ، فقد تعودت إسرائيل على فرض حالة من اللاسلم واللاحرب على حدودها ، وهو ما حققته إسرائيل سابقا على جبهة مرتفعات الجولان السوري منذ سنة 48م وعلى جبهة جنوب لبنان بعد حرب تموز سنة 2006م ، وفرضته على جبهة غزة بعد حرب 2008م ، كما وحققت إسرائيل بعدها حالة مستعصية في الجسد الفلسطيني الاجتماعي والسياسي ، عنوانها الانقسام الحاد بين جناحي الدولة الفلسطينية ، وهو ما يجعل مسألة تحقيق إقامتها تصطدم بالفيتو الإخونجي المتلحف بالثوب الفلسطيني ، وبالرفض الفلسطيني نفسه من أحد أقطاب المعادلة الفلسطينية ذاتها ، وهذا الهدف الإسرائيلي يعتبر من أهم الانجازات التي حققتها إسرائيل بعد حرب غزة خاصة بعد ظهور المؤشر الدولي على وجوب إقامتها وبروز المواقف الدولية الداعمة لإقامتها .
أما حماس وهي الطرف الآخر المباشر في الحرب ، فقد أعلن قادتها الدمشقيين وفور أن وضعت أوزارها بأنها قد حققت الإنتصار بالحرب ، وذلك لأن حركتهم وإن لم تكن قد وضعت أي هدف للحرب لأنها لم تختر وقتها وساحاتها ، فقد شعرت بانتصارها وتأكدت منه خاصة بعد ان شطبت إسرائيل الهدف الثالث من الحرب وهو تدمير حماس ، وذلك بعد ضغوط أمريكية عليها استجابة لنداءات ووعود قطرية وسورية أظهرتها ويكي ليكس مؤخرا ، واستجابة لرسائل وتطمينات حماس للإدارة الأمريكية بأنها ستضمن أمن حدود غزة ، وستعمل على إخضاع الفصائل الفلسطينة المشتركة معها بالأهداف لمواقفها وهدنتها طويلة الأجل غير المعلنة ، وانتقاما من موقف الرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) ومصر لرفضهم الحرب ، ولعدم إستعداد الجانب الفلسطيني الشرعي إشغال مكان حماس في غزة كنتيجة متصلة بالحرب ، فقد جاءت الحرب على عكس توقعات حماس التي توقعت إنهيار قواتها وتنظيمها خلال الحرب ، فلذلك هي اعلنت انتصارها لهذا السبب تحديدا ، مع أن عشرات المئات من المواطنين الغزيين سقطوا جراءها ، فلون دماء هؤلاء وكميتها وحرمة قتلها لم تكن في وارد المنتصرين ، مثلما كانت أهداف إسرائيل بالأمن الذي تحقق ، ومثلما كانت أهداف حماس بنجاة حكمها وتنظيمها وفكرها ، ولضمان استمرار وجود وبقاء دويلتها باتفاق الطرفين المتعاقدين ــ إسرائيل وحماس ــ كورقة ضاغطة على الشرعية الفلسطينية .
اما الطرف الثالث الذي أعلن انتصاره بالحرب فهم إيران وحزب الله وسوريا ، فقد أعلنت إيران التي نظمت حفل طهران ليعلن خالد مشعل خبر أنتصار حماس بالحرب ما دامت قاداتها وكوادرها سلموا ، واعلن فيه انتصار سلاحها ومالها واستراتيجيتها الخطرة الجديدة في المنطقة ، كما سوريا التي نظمت احتفال مخيم اليرموك تحت ذلك العنوان مضافا عليه عنوان تخوين السلطة الفلسطينية ، وأعلنت انتصارها فيه لاعتقادها باستنساخ رغبتها إعادة محاولة مصادرة القرار الوطني الفلسطيني ، تماما كما حزب الله الذي نظم احتفال الضاحية الجنوبية وأتاح لقادة حماس إعلان الإنتصار وتخوين السلطة الفلسطينية ، مضافا إليه عنوان تبخيس ثمن دماء شعب غزة ، التي كان أغلى منها دماء قادة حماس وأبناءهم ونساءهم وكوادرهم وعائلاتهم ، والذي أعلن انتصاره بالحفل اعتقادا منه بقرب تطويعه لغزة لإيذاء مصر وللانتقام من السلطة الوطنية الفلسطينية التي توشك إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، التي يكرهها كما يكره مكة والمدينة عرفانا منه واخلاصا لقم المقدسة ومشهد وولاية الفقه .
فقد حققت إيران لعبتها الإقليمية والأمنية في العراق وأفغانستان ولعبتها النووية ، مقابل وعود للأمريكيين التي نقلوها بدورهم للإسرائيليين بضمان إيران لحماس وحزب الله قيامهم باستتباب الأمن والهدوء على حدود إسرائيل مع غزة وجنوب لبنان ، مقابل إطلاق يدها في البلدين المحتلين بفعلها ومؤامراتها الأول العربي وهو العراق والثاني المسلم وهو أفغانستان .
أما سوريا فقد أعلنت انتصارها غير المباشر ، أولا لمساهمة الحرب ونتيجتها بإخراجها من معادلة مقتل الحريري والمحكمة الدولية ، وثانيا لضمان موقف جماعة الإخوان اللذين أخرجوا سوريا من برامجهم المعدة للسيطرة على أكثر من نظام عربي كان النظام السوري في طليعتها ، وبفضل المعركة أصبح في ذيل القائمة ، لأنّ الإخوان كما إيران يؤمنون بالتقية والمنفعة السياسية ، وكما إسرائيل التي لا تحترم مواثيقها ، فهم كلما عاهدوا عهدا نقضوه ، وخير دليل وثيقة مكة ووثيقة القاهرة واتفاق دمشق .
أما حزب الله فقد أعلن انتصاره المباشر بالحرب ، لأنه ما زال يراهن على وجود ما سماها المقاومة الحماسية ، التي فسحت له المجال في غزة لتشييع جزء من سكانها ، ولمحاولة النيل من النظام المصري الذي نفد من خططه التي اعدت للنيل منه ، والتي انكشف أمرها وفشلت لرفض الشعب والجيش المصري خطط حزب الله والتي كان هدفها النيل من الأمن القومي المصري ، ولتمكن مصر من اكتشاف خلايا الحزب التي حاولت تمرير السلاح للداخل المصري للإساءة للأمن الوطني المصري .
وأخيرا : فمن هو الطرف الذي انهزم بالحرب ؟؟؟ إنهم جميعا اللذين ادعوا الانتصار الزائف ، أما المنتصر الوحيد والحقيقي في الحرب فهو شعب غزة الذي رفض الخضوع للمحتل الإسرائيلي وللمقتنص للفرص الحمساوي ، مع أنّ الحصار الإسرائيلي الجائر الذي فر ض عليهم جوعه وأنهكه ، بينما كوادر وأنصار حماس ترسل لهم الملايين الإيرانية وبعض العربية القذرة ذات الطعم البترولي الخسيس ويوزعونها فيما بينهم بعلم وتغطية وموافقة ومباركة من أمريكا وإسرائيل ، وتقام بسببها الأسواق التجارية ومدن الترفيه التي أمتلئت بها غزة ، والتي كلها تملك وتمليك قادة حماس ، فالأموال الإيرانية المرسلة إلى غزة تفوق تلك المصدرة لحزب الله الذي يوزعها بشكل جيد ومدروس بين سكان جنوب لبنان الشيعة ، بينما حماس لا توزعها على سكان غزة الفلسطينيين اللذين تعتبرهم كفرة وملحدين لأنهم غير مؤمنين بها وبأهدافها ، بل على سكانها الحماسيين اللذين هم برأيها خلفاء الله وحراس إسرائيل على الأرض ، وكله برضا إسرائيل وإيران وأوامرهما .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com