لاشك بأن أسلوب الموازنة الموجهة الذي أقرته الحكومة في موازنتها القادمة سوف يترك الكرة في مرمى الوزارات والمؤسسات المستقلة كونه يسهل المحاسبة على الإنجاز المتحقق في نهاية السنة ، كما انه يجعل الوزارات تختار بنفسها أولوياتها الرأسمالية وهذا له شقين فيما إذا كانت الوزارة ليس لديها رؤية استثمارية وهذا يعني أن هناك المزيد من الأموال قد تنفق وتهدر بلا مقابل في ظل شح الموارد المالية تحديداً ، أو أن الثوابت في خطط الإنفاق الحكومي يجعل هناك صعوبة في التوسع في الإنفاق الطارئ لمواجهة أي خطط جديدة قد تواجه المؤسسات خلال السنة وذلك بسبب ظهور احتياجات استثمارية أخرى ، أو أنه قد تتغير كلف الإنفاق وأسعار المدخلات خلال أشهر السنة القادمة .
الاعتماد على الذات وسياسة شد الأحزمة التي يريدها وزير المالية ، وطالما انه صرح بشكل واضح عن عدم نية الحكومة لفرض المزيد من الضرائب على عكس ما صرح به نائب رئيس الوزراء ، فهذا يعني أن هناك سياسات مالية أخرى قد تمس شبكة الأمان الاجتماعي خاصة إذا تم فعلاً رفع الدعم الحكومي عن مجموعة من السلع الضرورية والتي يعتقد أنها سوف تكون أخطر وأشد وقعاً من رفع الأسعار أو فرض المزيد من الضرائب الذي نفته الحكومة ، ففي كثير من الأحيان كان الدعم المالي الممنوح للفقراء أقل تأثيراً من سياسات الدعم الحكومي على بعض السلع التي يستهلكها الفقراء أكثر من غيرهم ، وهذا ينبئ بالمزيد من الفقر ودخول عائلات وأسر جديدة في خط الفر المدقع وبالتالي يدخل الفقر في حلقة أخرى جديدة سببها السياسة المالية بافتراض ثبات أثر تغير أسعار المشتقات النفطية شهرياً وهذا من الاستحالة بمكان أن يحدث .
مشروع اللامركزية هو مشروع إداري سياسي وليس مشروع مالي ، لذلك فإن ربط موازنات الأقاليم بشكل مسبق باحتياجات لم يحدد الأسس التي سيتم على أساسها توزيع الموازنات ، فهل درجة التنمية المنخفضة في الإقليم تعني الحاجة إلى مخصصات أكثر ، أم سيتم التوزيع وفقاً لعدد السكان ، أم وفقاً للاحتياجات التنموية التي يحددها مجلس الإقليم ، أم وفقاً لحجم الإيرادات المحلية التي يولدها كل إقليم .
إذا نظرنا إلى القيمة المضافة التي ولدتها الإيرادات المحلية فهي تنجم بالأساس عن أنشطة استهلاكية أكثر منها أنشطة استثمارية تستخدم المواد الخام والسلع الوسيطة التي ينتجها الاقتصاد الوطني ، وبالتالي فهي إيرادات ناجمة عن الطلب النهائي على السلع النهائية ؟ الأمر الذي يعني ذلك أن الدينار الذي ينفقه الفرد الأردني يذهب منه نسبة تصل إلى 18% في حدها الأدنى لتوليد إنفاق القطاع العام ، بينما باقي الإنفاق وبنسبة مماثلة تقريباً تأتي من الرسوم والضرائب غير المباشرة عليه الأخرى .
أما وقد انتهت مناقشات الثقة وظهور التوجه الحكومي القوي لديها لتبني سياسة شد الأحزمة ، هذه السياسة التي تمارسها الحكومات منذ زمن بعيد سواء وجد العجز أم لم يوجد ؛ لم تعطي ثمارها حتى الآن ، ووزير المالية مشغول بهيكلة الدعم الحكومي المفترض منحه للشعب ومحاولة جعله بأدنى مستوى ، وهو الذي أصبح منة الحكومة على شعبها مع العلم بأن الدعم صيغة ترضية على الورق ولكن على الواقع الفعلي لا يوجد أي شيء من هذا القبيل .
عجز جديد سيتجاوز المليار دينار مما يعني ضعف حكومي جديد في إدارة المال العام ، وبشكل يخالف الوعود والبرامج المالية التي أقرت عام 2010 واتبعت معها سياسة التقشف وشد الأحزمة التي عصرت البطون إلى الظهور ، وسيطل علينا وزير المالية في عام 2011 بحزمة جديدة من الإجراءات تهدف إلى تبرير رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وتحديداً أسطوانة الغاز التي أصبحت معيار الحكومة لدعم الشعب وترفه ورفاهيته ، وكذلك فرض المزيد من الضرائب الجديدة التي بكل تأكيد ستجعل الناس يمشون وفق سياسة 111 .
هذه السياسة الجديدة التي أصبح ذات دلالة للشعب الأردني ، وهنا يجب تخصيص الرقم 111 لخدمات الطوارئ والإسعاف في الدفاع المدني لتسهيل عملية انتحار المواطنين والسرعة في إنقاذهم بسبب الظروف الاقتصادية ، كما أنها تمثل سياسة التقشف الشعبي الجديدة والتي تعني أن الشعب يجب أن يتنازل عن استخدام السيارة وممارسة رياضة المشي بشكل يومي وفي كل نشاط يقوم به ، كما أنها تعبر عن درجة الولاء النيابي للحكومة الرشيدة أدام الله عزها .
عموماً الموازنة في الأردن هي قرار سياسي أكثر من كونه قرار اقتصادي يعبر عن توجهات وأولويات السياسة الاقتصادية الأردنية ، وإنما هي خطة مالية يقررها الساسة الأردنيين ويؤثرون فيها أكثر من أصحاب القرار الاقتصادي .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com