تلكم هي حصيلة الثقة التي نالتها الحكومة ونحن على أعتاب العقد الثاني من هذا القرن في ( 1/1/11 )كذلك. والمفاجأة التي صُدم بها المواطن ليس في هذا العدد السحري، بل في الهجوم الذي شُنَّ على الحكومة والذي عنده أوهمنا بأن النواب سيطيحون بالحكومة أرضا، إلا أن الأمور تبدلت بين ليلة وضحاها، فنالت الحكومة هذا العدد من ثقة النواب بعد أن تأكد هؤلاء النواب وعلموا علم اليقين بأن الكثير من مشاكل المواطن قد حلّت أو في طريقها للحلّ؛ فهاهم المرتشون والفاسدون والمفسدون ترتعد فرائصهم بعد أن قَرُبَ يوم الحساب العسير، وهاهم السماسرة الذين يتاجرون بالوطن ومقدراته يلملمون أموالهم التي جنوها من جيوب الطفارى والحرافيش ليحولوها إلى بنوك العم سام والخال ديفيد، وهاهي الشركات العابرة للدول والقارات تقوّض أركانها باحثة عن دول أخرى ترغب في خصخصة مؤسساتها وشركاتها الوطنية، وستُحرق الوثائق والمسودات التي تفوّض أراضي الديسة وغيرها لإقامة المنتجعات السياحية لصالح المتنفذين، وأبناء المتنفذين، وأحفاد المتنفذين؛ بل وسنسفيل سنسفيل أحفاد أحفاد المتنفذين.
في أثناء كلمات السادة النواب، رأينا صليل السيوف وقعقعتها، وأصابع تتهدد وتتوعد، وعيونا حمر قانية تذرع المقل جيئة وذهابا لاتستقر على حال، وهجوما أمطروا فيه الحكومة بوابل من السهام والنبل، وأكفا وكفوفا تخبط بكل ما أوتيت من قوة لإرهاب أصحاب الدولة والمعالي؛ وخاضوا في السياسة والاقتصاد والتعليم وكافة مناشط المجتمع، فلم يبقوا ساترا، وكل منهم يتسابق حاثّ الخطى في اللوم والتقريع، حتى خيّل لنا بأن الثقة المنشودة بعيدة المنال. وبقي الهاجس على هذه الحال إلى وقت المناداة على منح الثقة أو منعها أو حجبها؛ عندها وعندها فقط، دسّت السيوف الخشبية في أغمادها، فلا صليلا سمعنا ولا قعقعة رأينا، والأصابع التي كانت متوجهة نحو الأمام باستقامة متوعدة ومزمجرة اتخذت وضع زاوية قائمة مع كف اليد ثابتة مستقرة، في حين استُخدِمَ الإبهامُ نحو الأعلى مع القبض على باقي الأصابع إلى الداخل عند التلفظ بالثقة دلالة على الـ (OK). أما العيون فقد ذابت رقة وحنانا، وتنادى القاصي منهم والداني إلى منح ثقة بعدد ولا في الأحلام. هذا العدد الذي يُتَلفظُ به عند الطلاق فيُقال طالِىء بالتَلاتَة مصريا، وطيلِىء بالتْليتِة لبنانيا. ولكن بعد أن جردت حساباتي مرة أخرى وجدت أن الحكومة قد حازت على أكثر من 111 صوتا كما يشاع ويذاع؛ فإذا جمعنا النصاص والطبشات( ثقة ونص، ثقة وطبشة)فالمجموع أكيد أكثر من الونونونة التي روّج لها زورا وبهتانا. وفي لاحق الأيام سنرى مفردات أكثر دقة وأبلغ أثرا عندما سيقال حينها: (ثِقة وقِزعة، ثِقة وقُطمة)؛ فانتظروا إني معكم من المنتظرين.
أما الثقة ومنحتموها ياسادة ياكرام، فلا تنسوا بعدها القضايا التي تواجه الوطن والمواطن، وأولها الفساد وثانيها الفساد وأما ثالثها فالفساد أيضا؛ فهو منبع الشر كل الشر، فإن نبشتم مشروعا ككازينو البحر الميت مثلا، فقد تتهاوى فيه رؤوس ورقاب؛ أليس المستثمر لهذا المشروع الحيوي -إن لم تخني ذاكرتي- هو ذات المستثمر الذي افتتح أول صرح أخلاقي وثقافي ممثلا في كازينو أريحا الذي كان أول بواكير المشاريع الاقتصادية بعد عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى فلسطين، أو ليس هو ذات المستثمر الذي يُلاحق للحصول على أموال المنظمة. فيا أيها النواب أوصلوا رسالة من الشارع الأردني إلى كل من نجّس يديه في هذا المشروع وكل مشروع على شاكلته- أن هذه المشاريع هي مشاريع عهر وميسر ورجس من عمل شياطين الخصخصة وسماسرة الدعارة فاجتنبوها، وتبت يدا كل من وقّع على إقامة مثل هذه المشاريع؛ فإن توهم الواهمون والكومنسجية أن هذا يرفد الاقتصاد، فتبا لكم ولمثل هكذا مشاريع. أفلا يكفينا عبدة الجن والفرج والشيطان، أفلا يكفينا سلالة قوم لوط والتجمعات المختلطة من كلا الجنسين في شارع مكة وغيرذلك من بؤرالانحلال، أفلا يكفينا هذا العنف المجتمعي الذي يهوي بسوطه ومطرقته في قرانا ومدننا، في أسرنا وعشائرنا، في مدارسنا وجامعاتنا، حتى وصل الأمر إلى مابين الابن وأبيه، وأخته وأخيه، وفصيلته التي تأويه ولا تأويه.
أيها النواب الكرام: أضع بين أياديكم هذا الاقتراح الذي يتلخص في أن يتصدى كل نائب إلى ملف فساد واحد فقط يسجل باسمه كبراءة اختراع مصونة، على أن يُشْبَعَ هذا الملف دراسة وتحليلا ومتابعة في الدوائر المعنية وصولا إلى فكّ طلاسمه وتقديم عرّابيه إلى قبضة العدالة، وخاصة الملفات التي زكمت رائحتها الأنوف؛ عندها نشدّ على أياديكم بكل إخلاص وحرارة.
وبما أن مناقشة الميزانية قادمة بإذن الله تعالى، فتذكروا أن جيوبنا خاوية على سراويلها، ولم تعد لدينا بطون نشد عليها، وتذكروا أن المواطن العادي ليس سببا في المديونية فلا تحملوه مالا طاقة له به، ولا تكلفوه ماليس له بوسعه، واتقوا الله في هذا الوطن وأهله؛ فالقوانين التي ستصادقون عليها سيتأثر بها المواطن سلبا أو إيجابا؛ فكونوا معه لاعليه، وكونوا نصيرا له لانذير شؤم عليه؛ فهو لاغيره من حملكم إلى ربوع العبدلي، فلا تكونوا حِمْلا ثقيلا على كاهله، واسمعوا ما يتداوله المواطنون في الشارع من ضيق ذات اليد والغلاء وووووو غير ذلك ما أنتم أعلم به وليس بخاف عليكم.
والآن وثب أمامي بيت شعر لجرير لاأعرف ماعلاقته بما نحن فيه من علاقة بين مجلس النواب والحكومة. يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يامربع