في البداية عند قراءتي لعنوان مقال السيد العياصرة ( باي باي يا منظمة التحرير الفلسطينية ) حاولت الولوج إلى التحليل العلمي الذي توقعته من الأستاذ العياصرة للوصول إلى الاستنتاج الذي لخصه بالعنوان ، ولكن من السطر الأول أدركت أن الأستاذ مثله مثل البقية لا تقرأ لقضايا مرحلتنا حتى العنوان ، فالرئيس عباس هدد بحل السلطة الوطنية الفلسطينية ولم يهدد بحل منظمة التحرير الفلسطينية وفي مناسبات عدة حيث أن الفرق ما بين السلطة والمنظمة كبير جدا برغم ازدواج حضور بعض الشخصيات في كلاهما .
منظمة التحرير الفلسطينية هي إطار تنظيمي تم إنشاؤه من قبل جامعة الدول العربية في عام 1964 يضم فصائل المقاومة الفلسطينية التي كانت قد أنشأت لمقاومة الاحتلال الصهيوني قبل تاريخ 1964 حيث استطاعت فتح بعد انطلاقتها واتساع شعبيتها وقدراتها أن تتزعم هذه المنظمة ولغاية الآن ، حيث تضم منظمة التحرير الفلسطينية معظم الفصائل الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية والديمقراطية والتحرير الفلسطينية والنضال الشعبي .. ، هذه المنظمة معترف في الأمم المتحدة كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني
بينما السلطة الوطنية الفلسطينية هي حكم ذاتي فلسطيني انشأ بقرار المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في تونس عام 1993 وذلك بعد اتفاق أوسلو عام 1993 وبحيث تتولى السلطة مهمات الحكم في الضفة الغربية وغزة كنواة لفلسطين التاريخية وعاصمتها القدس الشريف ، هذه السلطة تقوم بالمهمات الأمنية لحماية الشعب الفلسطيني وإنشاء حكومة وبرلمان لتسيير أمور الشعب ومتابعة المفاوضات للوصول إلى الحل النهائي .
هذا من الناحية الرسمية يدل على عدم أحقية الرئيس لحل المنظمة بالإضافة لعدم رغبته بالأساس لذلك، ولا ادري ما هي تصورات الكاتب التي جعلته يخلط بين المنظمة والسلطة بالطريقة الهجومية والتي رأيت فيها مهارة بالهجوم اللفظي على السلطة أو مع احترامي الشديد ( البردعة ) دون غيرها.
أما من الناحية النظرية فأن حل السلطة سيعمل على ترك مناطق الضفة الغربية الواقعة تحت حكم السلطة بدون سلطة تنفيذية أو تشريعية وبحيث تتولى المؤسسات المدنية العمل بشكل لا مركزي مستقل وبالحد الأدنى من الخدمات وهي التعليمية والصحية مما يضع ذلك الجميع في إشكالية تسيير الأمور اليومية للمواطن واكبر المسئوليات ستقع على الجانب الصهيوني الذي سيجد نفسه أمام فصائل فلسطينية وأفراد مستقلين يحاولون اختراق الخط الأخضر لأكثر من سبب وأخطرها القيام بالعمليات الفدائية داخل الكيان .
بالإضافة أن حل السلطة سيضع الأمم المتحدة والعالم الغربي والعالم العربي أمام مسئوليات كبيرة من حيث تسيير حياة أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، ولكن الجانب الإنساني للمواطن الفلسطيني هو الذي يدفع الرئيس للتفكير مليا في ذلك .
أما بالنسبة لانفراط المنظمة بسبب تسليم الأسلحة للعدو الصهيوني فانا أطالب الكاتب بتذكيري بنوعيات الأسلحة التي كانت بحوزة منظمة التحرير الفلسطينية والتي سلمتها للعدو الصهيوني..! ، فكلنا نعلم أن جميع أنواع الأسلحة كانت جردت من المنظمة قبل أن تدخل أوسلو ، فإنهاكها واستحداث الانشقاقات لها كما حدث في عام 1983 والضغوطات العربية قبل الدولية عليها والتهجير المتتالي لقواتها حتى وصلت بعض قواتها غينيا .
وإذ لا ننكر التجاوزات والفساد الذي يطال بعض شخوصها وكذلك الإحباط وعدم الخبرة لجزأ آخر فأننا بنفس الوقت نرى أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست شركة أهلية أو شركة استثمارية تسقط بسقوط شخوصها بل هو كيان يمثل الشعب الفلسطيني القادر على الانطلاق أكثر قوة من تحت الرماد مثله مثل طائر الفنيق ولن يتجرأ كائن من كان على امتطاء هذا الكيان نحو التلاشي .
جرير خلف