يبلغ عدد الكليات الجامعية المتوسطة التي تتبع جامعة البلقاء التطبيقية (47) كلية موزعة على كافة أرجاء الوطن. فإذا ما أمعنا النظر في هذا العدد من الكليات وتخصصاتها وما يتبع ذلك من تخصصات مشبعة في الجامعات الحكومية والخاصة على السواء, لوجدنا أن هناك بونا شاسعا بين هذا العدد من التخصصات وحاجة سوق العمل الفعلية.
أنا لا أنكر هنا أننا في الأردن بحاجة إلى عدد من كليات المجتمع وخاصة في مجالات المهن المتوسطة الطبية والهندسية والمهنية, ولكننا لسنا بحاجة إلى كل هذه التخصصات النظرية التي لا يجد خريجوها فرص عمل لهم في القطاعين العام أو الخاص على حد سواء. وما زالت مشكلة خريجو تخصص\" معلم صف لغة انجليزية\" و تخصص \"معلم مجال لغة انجليزية\" تراوح مكانها بالرغم من كل المحاولات الخجولة لحل هذه المشكلة والتي لا يمكن وصفها إلا بمحاولات لرفع العتب.
فما دام الأمر كذلك, فما هو الهدف الذي ترمي إلية وزارة التعليم العالي من وراء الإبقاء على هذا العدد الهائل من كليات المجتمع وغيرها من التخصصات الجامعية المشبعة التي لا يجد أصحابها سبيلا للحصول على وظيفة ويبقوا ينتظرون وينتظرون إلى ما لا نهاية حيث ليس للمجتمع الأردني أو للمجتمعات العربية المجاورة حاجة بتخصصاتهم أصلا؟ فهل القصد يا وزارة التعليم العالي ذر الرماد في عيون أولياء أمور الطلبة ليقنعوا أنفسهم بان أبنائهم يدرسون؟ وعندما يتخرجون, ماذا سيكون مصيرهم؟! بالتأكيد لن يجدوا إلا قارعة الطريق وما يتبع ذلك من زيادة في عدد العاطلين عن العمل وزيادة عدد من سيقعون فريسة للأمراض النفسية من إحباط واكتئاب وشيزوفرينيا قد ترفع من عدد حالات الانتحار أو محاولات الانتحار التي نشاهد حدوثها لدى هذه الفئة من الشباب بين الفينة والفينة. وكل هذا بالطبع سيعمل على تأجيج النفوس وزيادة بؤر التوتر, وبالتالي زيادة بؤر العنف المجتمعي الذي بتنا نشاهده هذه الأيام.
فإلى متى ستبقى الحكومة بشكل عام ووزارة التعليم العالي بشكل خاص يغضا الطرف عن هذا الهدر غير المبرر في مقدراتنا من الطاقات البشرية والمالية التي يمكن تدويرها بطريقة أكثر حكمة لتخدم المواطن الأردني أو على الأقل لتسد طاقة من طاقات المديونية العامة التي باتت تزيد عن أل (14) مليار دولار والتي تثقل كاهل الحكومة ومن ورائها كاهل المواطن الأردني الذي لم يعد يدري من أين يتلقى الضربات.
فلنقف وقفة جادة مع النفس نبحث فيها عن حلول عملية ومنطقية يمكن أن تخدم أبناء هذا المجتمع ممن يسعون لدراسة هذه التخصصات المشبعة لا من اجل الثقافة والعلم بل لتأمين الحد الأدنى من سبل العيش الكريم. فلنفعل ذلك كي لا يأتي وقت نندم فيه يوم لا ينفع الندم.