لم يكن هناك إثارة في الاستماع الى شريط جديد لأسامة بن لادن، ولا اي ظلّ للمجد في تبني عملية فاشلة لا تحظى بأي شعبية ونقصد قيام الشاب النيجيري بمحاولة إشعال فتيل خلطة متفجرة على متن طائرة مدنية.
حتّى الربط بالشأن الفلسطيني بدا متهالكا بلا عنفوان ولا مصداقية، وأين منه ذاك القسم المجلجل "قسما بمن رفع السماء بغير عمد" في الشريط التلفزيوني الشهير عقب أحداث 11 ايلول "أن الأميركان لن يعرفوا طعم الأمن والاستقرار حتّى يعيشه اهلنا واقعا في فلسطين".
كان قسم بن لادن ذاك يتكئ على عملية لا سابق ولا لاحق بها تحاكي الأساطير، فأين منها الاتكاء الآن على تلك العملية البائسة. ولا ندري لماذا لم يعد بن لادن يظهر في أشرطة فيديو! قد تكون صعوبات لوجستية، والحال ان الشريط الصوتي اقلّ تأثير من الشريط التلفزيوني ولم يعد بالسبق كبير الأهمية لـ"الجزيرة".
جرت كثير من المياه منذ 11 ايلول وصورة بن لادن الآسرة التي تطاول صورة الانبياء والمختارين. أعاد بن لادن التذكير بمجد تلك الهجمة الغابر، التي استهدفت مثل عمليات كثيرة لاحقة المدنيين الآمنين من كل لون وجنس وعمر وعمل، ولا تختلف في الجوهر عن كل العمليات المنبوذة، التي استهدفت المدنيين في اندونيسيا وإسبانيا، وفي عمان، فقد تجاهل صف واسع من الرأي العام العربي والاسلامي ذلك أمام الابهار اللامحدود في تقنيتها وحجمها وربطها السياسي بتحدّي أميركا الظالمة الداعمة للعدو المحتلّ في فلسطين، وهو الربط الذي راهن عليه بن لادن، والآن يعيد الرهان عليه، لكن الزمن والاحداث استهلكته.
فحتّى لو كان حافز العنف الإرهابي هو حقا قضية فلسطين، وهو لم ينشأ كذلك، فقد ظهر ان هذا النمط من العمل لا يغيّر موازين القوى ولا يحقق إنجازا، والقاعدة الآن هي فلول مطاردة في كلّ مكان من دون اي أمل بالنصر سوى النجاح من حين لآخر بعملية تقتل بضعة مدنيين في اي مكان ومن اي جنسية.
في النبرة والكلمات لم يكن بن لادن يهدد بجدّ بقدر ما كان محاججا بما يفترض انه الحق والمنطق "فلم يجب أن ينعم الأميركان بأرغد عيش ويبتلي أهل غزّة بأنكد عيش؟!" هذه محاججة إقناعية موجهة للرأي العام، الذي بات بعيداعن القاعدة، لكن حتّى من يتعاطف مع القاعدة بصورة أو اخرى فهو لم يعد يعتقد انها قوّة قادرة على فعل شيء لفلسطين، وهذا بافتراض ان عمل شيء من اجل تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال هو حقا في اجندتها.
منذ نكبتها الكبرى والقضية الفلسطينية تمدّ بالسلالم كل اجندة طموحة للحلول محلّ السلطة القائمة، وثبت كل مرّة أن الخلل في ميزان القوى اعظم وأكثر تجذرا من مجرد رغبة أو ارادة في التصدي للعدو، وقد حصد عبدالناصر هزيمة أشدّ إذلالا من النكبة، ولعل نفسية الأمّة لم تبرأ من تشوهاتها حتّى الآن.
والتطرف الديني والإرهاب الذي ولد من بيئة الهزائم والنكسات والخذلان يعاود الشيء نفسه الآن، لكنها ظاهرة لا أمل لها لا باستلام حكم ولا بتحرير بلاد. انها بطبيعتها كما تجسدها عملياتها نشاط تدميري يائس استبدل الإنسانية بالتوحش والحياة بالموت والأمل باليأس.